Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
TUNISIE XXI over-blog.com

Histoire moderne et contemporaine, Education, Pédagogie, Actualités politiques et socio-économiques, développement régional et Territorial,témoignage...

الحركة الاحتجاجية في تونس، هل هي نهاية المنظومة السياسية التي جاء بها دستور 2014؟

 

لئن توفقت الحكومة الى إنهاء أزمة الكامور، فإنها وضعت أسس تقليد جديد في التعاطي مع الحق في الثروة والتنمية يُغلِّبُ منطق "الفيء" في معناه العام على منطق التنمية بما هي خطط ومشاريع محددة الأهداف والآجال تستند الى المعرفة العلمية والخبرة الميدانية والحاجات والأولويات الأكثر وجاهة. وممّا يعزّز هذا الرأي ما "أفتى" به رئيس مجلس نواب الشعب (1) في الغرض، وما صرّح به رئيس الحكومة (2) بشأن تعميم "نموذج الكامور" على الجهات الداخلية.  ثم تلا التصريحين حديث عن "فلسفة تنموية جديدة" خلال ندوة الولاة (3). ويبدو أن المواطنين – وقد نفذ صبرهم - التقطوا هذه الرسائل التي جعلت من الحق في الثروة والتنمية أمرا قريب المنال بحيث يكفي إعادة انتاج نموذج الكامور حتى تتحقق مطالب التنمية والتشغيل أو هكذا فُهم الأمر. وفي ظرف وجيز تتابعت الاعتصامات بعدد من مواقع الإنتاج في مناطق مختلفة من البلاد وصدرت بيانات تطالب الحكومة بالتعجيل بالنظر في مسائل التنمية والتشغيل.

لقد أعادت موجة الاحتجاجات - وبصرف النظر عن التفاصيل – الجميع إلى مربع الثورة في أسبابها وفي أهدافها وأكّدت وجاهة التساؤل حول قدرة المنظومة السياسية الحالية وسائر القوى القائمة عليها على حل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية التي ما انفكت تتفاقم سنة بعد أخرى وعرّت تماما عجز هذه المنظومة عن معالجة مسألة الحق في الثروة والتنمية ما أصبح يهدّد كيان الدولة نفسها بالتفكك والاندثاركما أثبتت فشلا جماعيا - لا يُستثنى منه أي طرف سياسي أو اجتماعي- في الاشتغال على الشأن الوطني.

1. "الخطيئة الأصلية" وتبعاتها

ما تعيشه البلاد اليوم هو الثمن الحقيقي لخطيئة أصلية في حق الثورة وفي حق الوطن والمواطنين.

 فقد أكّدت هذه العشرية بصراعاتها وتوتراتها وتقلباتها وجاهة ما صدع به الكثيرون منذ الأيام الأولى للثورة ولم يجد آذانا صاغية: هذه الثورة اجتماعية / مواطنية ومطلبها حيث نشأت وتمددت في الزمان والمكان هو "الشراكة العادلة في الوطن" سلطة وثروة وتنمية قطعا مع عقود من الحيف الاقتصادي والاذلال الاجتماعي والإقصاء السياسي الذي عانت منه تونس الطرفية المهد الحقيقي للثورة. فقد جرى اعتبارهذه الحركة الشعبية العظيمة من قبل البعض استنساخا للتجارب النضالية العمالية للقرنين التاسع عشر والعشرين دون اعتبار الشروط الجديدة التي يتحرك فيها رأس المال وقوى الانتاج وأهمّها على الإطلاق "العولمة" التي عمقت التفاوت الطبقي والتباينات المجالية. كما رأى فيها البعض الآخر مشروعا  "لصحوة إسلامية" وهو ما ذهب اليه السديم الاسلاموي/ الماضوي بكل مكوّناته، في حين اختزلها البعض الآخر فـي تطلعات ليبرالية تحوم حول الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. وآستقر الرأي على اعتبارها "ثورة ملوّنة" على شاكلة ما جرى في أقطار أوروبا الوسطى والشرقية في الربع الأخير من القرن المنصرم وانطلق مسار "الانتقال الديمقراطي" الذي شهد تركيزا تاما على البعد السياسي وأهمل الخلفية الاقتصادية والاجتماعية للثورة. تلك كانت "الخطيئة الأصلية" التي يدفع المواطن اليوم ثمنها من قوته وأمنه وكرامته ويدفع الوطن ثمنها اليوم استقرارا وتنمية وسيادة . وهكذا التقى جميع الفاعلين رغم الاختلافات التي تشقّهم في إنكار ما لهذه الثورة من فرادة يثبتها تلازم البعدين الاجتماعي والمجالي. وكل ما أفلحوا في إنجازه هو إعادة إنتاج وصاية النخبة على الشعب باسم "الشرعية الثورية" وتعميق الشرخ بين المواطن والنخبة المتحدثة باسم هذه الثورة والتأسيس لمنطق الغنيمة والمحاصصة الحزبية. والثابت أن التحركات الاحتجاجية الجارية اليوم تؤكّد فشل المسار السياسي الذي  تم انتهاجه منذ 2011  وفشل المنظومة السياسية التي جاء بها دستور جانفي 2014 وتعيد الى الواجهة البعد الاجتماعي/ المجالي للثورة التونسية باعتبارها ثورة الأطراف، حرّكتها التباينات الاجتماعية / المجالية الصارخة. ألم يحن الوقت لتصحيح هذا المسار؟ ألم يحن الوقت للاشتغال على هذا "الصدع الاجتماعي/المجالي" (4) الذي يهدد البلاد في استقرارها الاجتماعي وحتى في وحدتها الترابية فضلا عما يمثله من تهديد لتماسك الدولة؟  وأيّ المنطقين أسلم في التعاطي مع مسألة الحق في الثروة والتنمية: منطق "الفيء" أم منطق التنمية؟

2.  رسائل واضحة يرفض العقل السياسي الرسمي التقاطها

تحمل التحركات الاجتماعية الجارية وحتى التي سبقتها على مدى هذه العشرية رسالة متعددة   المضامين. وأول مضامينها أن هذه الحركة الاحتجاجية هي عودة متجددة الى الأسباب الحقيقية للثورة وهي التباينات الاجتماعية/المجالية العميقة التي زادتها هذه العشرية عمقا وتعقيدا وحدّة. فليس صدفة أن تنطلق هذه الاحتجاجات في نفس المجال الذي انطلقت منه الثورة وليس صدفة  أن يؤثّث مفرداتها اليومية نفس من أثثوا المفردات اليومية للثورة. وثاني مضامينها الفشل الذريع للسياسات التنموية عامة وطنيا وجهويا كما تم تصوّرها والاشتغال عليها حتى اليوم. وثالث مضامين هذه الرسالة أن الفشل الحكومي في التّصدّي لسوء التنمية والبطالة المستشرية والتباينات الاجتماعية/المجالية يزيد من ضعف الدولة ويوفّر الذّرائع لتنامي نفوذ “الولاءات التحتية" (الجهوية والمناطقية والعشائرية والمهنية الخ...) التي تنافس سلطة الدولة وتعطّل إنفاذ القانون وتسهم في تمدّد الفساد بما يفضي في المحصّلة الى التردي إلى ما "قبل الدولة" في الاشتغال على الشأن العام. أما رابع مضامينها فهو أن عجز السلطة الحاكمة عن القيام بما هو محمول عليها في الشأن التنموي يمنح كامل المشروعية للوسائل والأساليب المُعتمدة في حلّ هذه المعضلات حتى وإن كانت في بعض أوجهها من جنس "الخروج على القانون" و"التجاوز" على سلطة الدولة. وخامس مضامين هذه الرسالة أن عجز السلطة الحاكمة يفتح الباب أمام المضاربين السياسيين لملء الفراغ والمتاجرة بالأوهام وركوب الطموحات المشروعة لمواطنين ظلّوا لزمن على هامش الوطن وعلى هامش التنمية وتجييرها   لتحقيق غنم سياسي حتى وإن كان على حساب مصالح المواطنين وعلى حساب تماسك الدولة وهو ما يزيد الأوضاع تعقيدا. أما أهمّ مضامين هذه الرسالة على الإطلاق فهو الفشل الذريع للمنظومة السياسية التي جاء بها دستور جانفي 2014 والتي تحوّلت مع الزّمن الى عائق موضوعي في وجه كل جهد تنموي بسبب تفتت سلطة القرار وأولية الحزبي على الوطني وتغليب الولاء الحزبي على الكفاءة وغلبة منطق الغنيمة والمحاصصة الحزبية في الاشتغال على الشأن العام وإغراق البلاد في صراعات سياسية لا علاقة لها بمفردات الحياة اليومية للمواطن. لقد غاب عن المنتشين "باللعبةالسياسية" أن تونس - وبعيدا عن المغالطات- بلد متخلّف يشكو ما تشكوه سائر البلدان المتخلفة من سوء تنمية، تشهد على ذلك الأزمة الهيكلية الحادة التي يتخبط فيها اقتصادها والمديونية غير المسبوقة والبطالة المتفاقمة والتردي المتنامي لسائر خدمات المرفق العمومي وتوسع خارطة الفقر خلال هذه العشرية مضاف الى ذلك هشاشة الوضع الأمني في ظل التهديدات الإرهابية القائمة والتهديدات التي يحملها الوضع الاقليمي المتوتر.

هل التقط الطرف الحكومي وحزامه السياسي مضامين هذه الرسالة؟

 كان من المنتظر أن يلتقط الطرف الحكومي مضامين الرسالة – بعضها أو كلها- التي حملتها كل التحركات الاحتجاجية ويتوقف عندها في تصريحاته على إثر الاتفاق المبرم حول الكامور ويستخلص العبرة من الموقف برمّته في ما يتعلق بالمنظومة السياسية الفاشلة وسائر الأعطاب التي ترتبت عنها  في التنمية وطنيا وجهويا. وبدلا عن ذلك اكتفى بإشادة باهتة بالحوار وتعهّد باعتماده كآلية لفضّ ما يطرأ من نزاعات وقدّم "اتفاق الكامور" كنموذج للتعاطي مع المشاغل التنموية في الجهات. كما حرص على إخراج الموقف في صورة سلطة حاكمة تُنصت لمواطنيها وتحاورهم وتستجيب لمطالبهم وهو إخراج لا يخلو من المغالطة. لا خلاف في أن تنصت السلطة الحاكمة لمواطنيها وتتفاعل بشكل إيجابي مع مطالبهم بل إن هذا هو المطلوب في دولة تُعلي قيم المواطنة، أما وقد تمّ الأمر في ظل سلطة ضعيفة ووضع عام سمته الهشاشة وفي إطار من "المغالبة" لا يمكن إنكاره فإنه يُحيل ببساطة على سلوك مُجرّب دأبت عليه كل الحكومات المتعاقبة وهو "إطفاء الحرائق" عبر حلول ظرفية ونقاطية بما يؤكّد قصورا متأصّلا عن التصدي الشامل لمعضلات النمو والتنمية من جهة وغلبة الحسابات/الطموحات السياسوية للقائمين على هذه السلطة من جهة ثانية شأنهم في ذلك شأن من سبقهم في إدارة الشأن العام في السنوات الأخيرة. إنّ اعتماد منطق "الفيء" بديلا عن منطق التنمية يؤسس لمقاربة ترتهن المستقبل عبر إعلاء أولوية الجزء على الكل وأولوية الجهة على الوطن وأولوية الظرفي على الهيكلي وأولوية الآني على الاستراتيجي وأولوية "الخصوصي" على المشترك وأولوية "الخلاص الفردي" على "الخلاص الجماعي" في التعاطي مع الشأن العام وتفتح على آمال كاذبة وواهم من يعتقد أن ما تضمنه اتفاق الكامور مثلا هو نهاية الصعوبات في تطاوين وهو ما ينطبق على كل مقاربة لا تندرج ضمن رؤية تنموية وطنية شاملة.

3. دولة في مهب التجاذب السياسي والأزمة الاقتصادية /الاجتماعية وسوء التدبير

 لا جدال في  أن السمة الغالبة على الوضع العام ومنذ سنوات هي تلك النزعة الدؤوبة والمتنامية لاستهداف كيان الدولة بالتشكيك والإضعاف فالتفكيك. وقد وُظِّفت لهذه الغاية آليات كبرى يمكن إجمالها في التهديد الأمني الذي تمثله قوى الإرهاب والتطرف من جهة والإنهاك الاقتصادي متعدد الأوجه - ومن ضمنه تعطل المشاريع التنموية وتفاقم التهريب والتهرب الجبائي وتمدّد الفساد- الذي يعمق الأزمة الاقتصادية ويفاقم المشكلات الاجتماعية من جهة ثانية وترذيل الدولة رموزا وأجهزة ومؤسسات من جهة أخرى. ترفد ذلك كلّه شعبوية جارفة  ومدمّرة يأتيها كل الفاعلين بلا استثناء في إطار مناخ من المزايدات "الصبيانية" أحيانا وخلط خبيث بين الدولة والسلطة الحاكمة وأولوية واضحة للحزبي على الوطني في الاشتغال على الشأن العام وإعلام قابل للتوظيف كله أو بعضه. يجري كل ذلك في وضع إقليمي يزداد خطورة بعد أن آل الحلّ والربط في شأنه إلى القوى العظمى المتصارعة على الغنيمة المادية (النفط وإعادة الإعمار) والتموقع الاستراتيجي استعدادا لصراعات مستقبلية آتية لا محالة مدارها القارة الافريقية. واللافت للانتباه هو تلازم هذه الآليات واشتغالها بشكل متزامن بما يوحي بوجود إرادات تستهدف كيان الدولة التونسية موضوعيا وعمليا. واللافت للانتباه ثانية هو التناسب العكسي بين تراجع نفوذ الدولة من جهة وبين تنامي سلطة " القوى الموازية" في كل ما يتعلق بالاشتغال على الشأن العام إذ بقدر ما يتراجع نفوذ الدولة يزداد نفوذ وتأثير هذه "القوى الموازية " التي تسعى إلى التمكّن من هياكل صنع القرار ومن هياكل التنفيذ وتطرح نفسها بديلا عمليا لسلطة الدولة ولسلطة القانون. ويكاد يُخيّل للمتابع أن ما أصاب بعض الدول العربية من وهن وتفكك بفعل الاقتتال الداخلي المسلّح أو العدوان الخارجي يتحقق في تونس ولكن بأدوات أخرى، واختلاف الوسائل لا ينفي تشابه النتائج والمآلات. هل فكر رئيس مجلس نوّاب الشعب في ما يمكن أن يترتّب عن "فتواه" حول الحق في الثروة والتنمية من انعكاسات على كيان الدولة؟هل أخذت الحكومة هذه المخاطر بعين الاعتبار وهي تعلن عن "فلسفتها التنموية الجديدة" ؟ الرأي أن الرهان الحقيقي للمرحلة هو إنقاذ الدولة التونسية مما يتهددها من مخاطر الانحلال والتفكك وهو الأولوية التي يفترض أن يجتمع حولها التونسيون وشرطها هو إنهاء العمل بالمنظومة السياسية التي جاء بها دستور جانفي 2014.

***

تثبت الوقائع حالة من الفشل العام يمكن إجمالها تحت عنوان كبير: فشل مسار الانتقال الديمقراطي في كل أبعاده. والرأي أن هذا الفشل هو في جوهره فشل للنّخب الفكرية والسياسية أحزابا ومنظمات وطنية ومؤسسات دستورية. فعلى مدى سنوات من الاحتجاجات المتواترة صعودا ونزولا في نفس المجال الجغرافي إجمالا ولنفس الأسباب تقريبا، اكتفى الأغلب الأعمّ من هذا الطيف الواسع – ولا يزال- بالمتابعة السلبية أو بالاستثمار في هذه المطالب المشروعة وتجييرها لتحقيق غنم سياسي زائف أو لتأكيد دور اجتماعي موهوم وتغاضى الجميع عن الدلالة الجوهرية لهذه الاحتجاجات وهي فشل المنظومة السياسية وفشل التنمية في بعديها الوطني والجهوي عن الاستجابة للتطلّعات المشروعة للتونسيين. وتحوّل هذا الفشل إلى تهديد حقيقي لكيان الدولة التونسية ولوحدتها الترابية ولتماسك النسيج الاجتماعي للبلاد.

لقد أحيا سوء التقدير وسوء التدبيرحالة انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم الثاوية في ثنايا تاريخ هذه البلاد.أيّ وجاهة للدعوات المتتابعة الى التهدئة وإلى حوار وطني (5) في ظلّ هذا الوضع؟ الأقرب الى الظن أن هذه الدعوات لن تغيّر شيئا في وضع مرشّح الى التفاقم ما لم يتمّ التوجه مباشرة الى التخلّص من المنظومة السياسية الفاشلة و وضع مشروع وطني شامل يجمع حوله التونسيين ويمنحهم أملا في مستقبل أفضل. أما إذا كان الغرض من هذه الدعوات هو تبرئة الذمة و"تبويس اللحى" وإبرام الصفقات السياسية المشبوهة على قفا التونسيين فالمآلات معروفة.

تونس / 26 نوفمبر 2020

-----------

الهوامش

(1) حوار رئيس حركة النهضة / رئيس مجلس نواب الشعب على القناة الوطنية الأولى بتاريخ 8 نوفمبر 2020 حيث صرّح معقبا على اتفاق الكامور بالقول: " مَا تْجُوزْ الصّدقة إلاّ مَا يِتْززُّو أُماّلِيها" مردفا في محاولة لتبرير هذا القول " وهذا مبدأ إسلامي أصلا" متناسيا – وهو رئيس مجلس نواب الشعب - أن البلاد محكومة بدستور وضعي كان هو وجماعته من أصحاب القول الفصل في إقراره.

(2) تصريحات رئيس الحكومة في النقطة الإعلامية بتاريخ 9 نوفمبر 2020 بالعوينة.

(3) تصريحات رئيس الحكومة خلال ندوة الولاة المنعقدة بتاريخ 21 نوفمبر 2020.

 (4) Belhedi Amor, La Fracture Territoriale, Dimension Spatiale de la Révolution      Tunisienne. Ed. Wassiti, 2012.

(5) بيان مجلس شورى حركة النهضة، الدورة 45 بتاريخ 21 نوفمبر 2020 (النقطة 14) وتصريحات رئيس حركة النهضة بتاريخ 26 نوفمبر 2020 حول الاحتجاجات الاجتماعية.

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article