Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
TUNISIE XXI over-blog.com

Histoire moderne et contemporaine, Education, Pédagogie, Actualités politiques et socio-économiques, développement régional et Territorial,témoignage...

أزمة الكامور: هل نستوعب الدّرس؟

أخيرا توصّلت الحكومة الى اتفاق مع “تنسيقية الكامور".  ولا طائل من التوقف عند الشكليات رغم أهميتها: وجاهة التفاوض وظروف التفاوض وموضوع التفاوض ولغة التفاوض وطريقة الإعلان عن مخرجاته الخ... فالشاة لا يضرّها السَّلْخ وقد ذُبِحَتْ. ولا معنى أيضا للتوقّف عند ما تحقق للمحتجين من مكاسبَ ليس في وارد التفكير استكثارها على سكان تطاوين بل هي – ويقينا- دون ما يحتاجونه فعلا بعد عقود من الغبن التنموي شأنهم في ذلك شأن البلد العميق. ولكن ما يستدعي التوقّف هو القول بأنّ هذا الاتفاق هو نهاية المشاكل ونصر للطرفين بل ونصر للوطن، والتبشير بتحويله الى نموذج للتعاطي مع الشأن التنموي عامة والتنمية الجهوية تحديدا. والحقيقة- كما تتراءى لي على الأقل- أن هذا الاتفاق وعلى الرغم من إنهائه لهذه الأزمة يؤشّرفي جوهره على إخفاقات للطّرفين وللوطن ويُعْلي مقاربة مُشوّهة للحق في التنمية والثروة.

1. فهو يؤشّر على إخفاق الطرف الحكومي (الحالي ومن سبقه في التعاطي مع الملفّ) والدّليل فشله في التقاط مضامين الرسالة التي حملتها هذه الحركة الاحتجاجية المشروعة رغم امتدادها في الزمان صعودا ونزولا على مدى ثلاث سنوات تقريبا. وأول مضامين هذه الرسالة أن هذه الحركة الاحتجاجية تعيد الجميع الى المربع الأوّل أي الأسباب الحقيقية للثورة وهي الحاجة المُلحّة الى معالجة التباينات الاجتماعية/المجالية العميقة التي تشق المجتمع والمجال التونسيين والتي زادتها هذه العشرية عمقا وتعقيدا وحدّة. وثاني مضامينها تأكيد الفشل الذريع للسياسات التنموية عامة ومن ضمنها التنمية الجهوية كما تم تصوّرها والاشتغال عليها حتى اليوم ولسائر برامجها (برنامج التنمية الجهوية/برنامج التنمية المندمجة/ برنامج التنمية الحضرية المندمجة....). وثالث مضامين هذه الرسالة أن معالجة مسألة التنمية ببعديها الوطني والجهوي ومن زاوية نظر وطنية شاملة بما يُمكِّن من معالجة سوء التنمية والبطالة المستشرية والتباينات الاجتماعية /المجالية وبما يقطع الطريق على المقاربات الظرفية والجهوية والمناطقية والعشائرية...باتت ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل. أما رابع مضامينها فهو أن إخفاق السلطة الحاكمة في التصدّي لمشكلات التنمية وغياب البدائل الجادة وانسداد الآفاق تفتح الباب أمام كل الوسائل والأساليب  لفرض "حلول تنموية" وتمنحها مشروعية ما حتى وإن كان في هذه الوسائل والأساليب  "خروج على القانون" أو"تجاوز" على سلطة الدولة واستضعاف لها. وآخر مضامين هذه الرسالة أن تقصير السلطة الحاكمة في الإيفاء بواجباتها تجاه المواطنين يترك المجال واسعا أمام المضاربين السياسيين لملء الفراغ والمتاجرة بالأوهام وركوب الأحداث وتجييرها لتحقيق غنم سياسي وهو ما يزيد الأوضاع تعقيدا.

 كان من المنتظر أن يلتقط الطرف الحكومي مضامين هذه الرسالة – بعضها أو كلها- ويتوقف عندها في تصريحاته حول الاتفاق المبرم مع تنسيقية الكامور ويستخلص العبرة من الموقف برُمّته (منوال التنمية/ التنمية الجهوية/ مراجعة بنية الحكومة بإحداث هياكل من صنف كتابة دولة مثلا تُعنى بالتنمية الجهوية وتعنى بالتشغيل، إعادة تنظيم هياكل التنمية الجهوية، تجديد برامجها الخ ...)، غير أنّه اكتفى بإشادة باهتة بالحوار والتعهد باعتماده كآلية لفض ما يطرأ من نزاعات - وهو قول لا جديد فيه بل ولا خيار فيه أصلا في موضوع الكامور- وقدّم الحل الذي تمّ التوصّل اليه نموذجا للتعاطي مع المشاغل التنموية في الجهات. وعلى أي حال، هي فرصة إضافية مهدورة لوضع مسألة التنمية عامة والتنمية الجهوية تحديدا في صدارة الاهتمامات الوطنية وما أكثر الفرص المهدورة في بلادنا خلال هذه العشرية.  كما أنّ إخراج الموقف في صورة سلطة حاكمة تُنصت لمواطنيها وتحاورهم وتستجيب لمطالبهم هو إخراج لا يخلو من المبالغة. فالمطلوب فعلا هو أن تُنصت السلطة الحاكمة لمواطنيها وتتفاعل بشكل إيجابي مع مطالبهم أما وقد تمّ الأمر في ظل سلطة ضعيفة ووضع عام سمته الهشاشة وفي إطار من "المغالبة" لا يمكن إنكاره فإنه يحيل ببساطة على سلوك مُجرّب دأبت عليه كل الحكومات المتعاقبة وهو "إطفاء الحرائق" عبر حلول ظرفية ونقاطية بما يؤكّد قصورا - تأصّل تماما- عن التصدي الشامل لمعضلات التنمية من جهة وتشوبه شبهة غلبة الحسابات/الطموحات السياسوية للقائمين على هذه السلطة من جهة ثانية شأنهم في ذلك شأن من سَبِقَهم.لا جديد.   

2. وهو يؤشّر ثانية على قصور متعدد المظاهر شاب الحركة الاحتجاجية لن يُفلح الغُنْم المادي الظاهري في إخفاء معالمه. وأوّل مظاهره الإنكفاء على"الجهوي" المحض وعدم تنزيل المطالب الجهوية في إطار مطالب التونسيين جميعا وتحديدا سكان المناطق الداخلية في معالجة التباينات الاجتماعية/ المجالية والحق في الوطن تنمية وثروة. وهكذا اتخذت الحركة الاحتجاجية  صبغة جهوية خالصة لا يمكن إنكارها. ومن مظاهره ثانية عجز القائمين على الحركة الاحتجاجية عن تحويلها إلى نزعة وطنية عامة تجمع طيفا واسعا من التونسيين تطرح بجدية وبعمق مسألة الحق في التنمية والثروة في بعديهما الوطني والجهوي بما يدفع السلطة الحاكمة الى التعامل الجادّ مع الموضوع وبما يضمن تَبنِّي التونسيين لهذه التحركات واحتضانهم لها وهو ما لم يحصل إذ ظلت حبيسة الجهة في المستوى المجالي إذا استثنينا الحركة التضامنية/المطلبية التي شهدتها ولاية قبلي في ماي- جوان2017 والتي انبنت بدورها تقريبا على نفس المطالب. ومن مظاهر هذا القصورأخيرا أنّ القائمين على هذه الحركة – بانكفائهم على الجهوي وبأسلوب "المغالبة" الذي اختاروه في التعامل مع سلطة حاكمة ضعيفة - قد أسهموا عن قصد أو عن غير قصد في إرساء تقليد مُؤذ لدولة كل التّونسيين– مهما يكن الرأي في هذه الدولة وأجهزتها- في سلطتها وفي سيادتها على التراب الوطني وعلى ثرواته.

قد يجادل البعض بأنّ القائمين على هذه الحركة الاحتجاجية لم يطرحوا على أنفسهم منح مطالبهم بعدا وطنيا واجتماعيا شاملا وعليه فإنه لا وجاهة للحديث عن مظاهر القصور أو الاخفاق. والرأي أن الإخفاق الحقيقي يكمن في غياب هذا البعد الوطني والاجتماعي الشامل تحديدا والذي من شأنه- في حال توفّر- أن يجعل منها حركة مواطنية  جامعة بحقّ يكون لها الفضل التاريخي في الطرح العملي والميداني لمسألة الحق في التنمية والثروة في تونس. وبصرف النظر عن هذا الرأي، فالثابت أنّ هذه الحركة قامت على أولوية الجزء على الكل وأولوية الجهة على الوطن وأولوية الظرفي على الهيكلي وأولوية الآني على الاستراتيجي وأولوية "الخصوصي" على المشترك وأولوية مبدإ "الخلاص الفردي" على مبدإ "الخلاص الجماعي" في ما يتعلّق بمقاربة الحقّ في التنمية والثروة.

3. وهو يؤشّر أخيرا على إخفاق الوطن نُخبا فكرية وسياسية وأحزابا ومنظمات وطنية ومؤسسات سياسية وحقوقية الخ... فعلى مدى سنوات من عمر الأزمة، اكتفى الأغلب الأعمّ من هذا الطيف الواسع بالمتابعة السلبية أو بالاستثمار في هذه المطالب المشروعة وتجييرها لتحقيق غنم سياسي زائف أو لتأكيد دور اجتماعي موهوم وتغاضى الجميع عن الدلالة الجوهرية للأزمة وهي فشل التنمية عامة والتنمية الجهوية تحديدا في الاستجابة للتطلّعات المشروعة للتونسيين وضرورة الانكباب على معالجة هذه المسألة بما يلزم من الجدية والمسؤولية...وشيئا فشيئا استوطنت "الشعبوية المدمّرة" الخطاب حول الموضوع وفُتح الباب على مصراعيه أمام الحلول الظرفية والجهوية التي لا تندرج ضمن رؤية شاملة للشأن التنموي بل تخضع لضاغطات الواقع لا غير. وهي من هذه الزاوية مجرّد ترحيل للمشاكل الحقيقية نحوالمستقبل ما ينبئ باستمرار هذه المشاكل في الأمدين المتوسّط والبعيد.

والرأي أنه إذا كان لهذه الأزمة بأطوارها وحلولها من فضل، ففضلها أنها وضعت مسألة الحق في التنمية  والثروة ببعديهما الوطني والجهوي في الواجهة. ولعلّ الاستنتاج الأكثر جلاء ووضوحا هو ضرورة مراجعة الاختيارات التنموية عامة ووضع إطار وطني للتنمية الجهوية وأطر جهوية للتنمية وتطوير الهياكل الإدارية المشرفة على التنمية الجهوية وتجديد برامجها وآليات اشتغالها بما يمكّن من تجاوز الاشتغال على الآنيّ والظرفي والتوجه الى الاشتغال على الاستراتيجي وبما يضمن تحقيق تحوّلات إيجابية في البنى الاقتصادية وفي مستوى عيش السكان عامة.

فهل نستوعب الدرس؟

-----------------------

تونس 9 نوفمبر 2020

 

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article