Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
TUNISIE XXI over-blog.com

Histoire moderne et contemporaine, Education, Pédagogie, Actualités politiques et socio-économiques, développement régional et Territorial,témoignage...

الإدارةُ التّربويّةُ في تُونس: أيُّ حَوْكَمة؟

مدخل

 1. تُعتبر "الإدارة التربوية" جزءا أصيلا من المنظومة التربوية وعنصرا مؤثرا في تحقيق أهداف العملية التربوية وهذه حقيقة تؤكدها التجربة الميدانية والتجارب العالمية في الاشتغال على الشأن التربوي. غير أن المتابع للشأن التربوي التونسي يلاحظ الحضور الباهت لهذه المسألة في العقل التربوي التونسي عامة وفي مجمل الأفكار والأدبيات المتداولة حول مشروع الإصلاح التربوي المنتظر تحديدا.   

2. تحظى مسألة "الإدارة التربوية" باهتمام الهيئات الأممية والمؤسسات الدولية ذات العلاقة بالشأن التربوي سواء باعتبار تخصّصها في الميدان أو باعتبارها طرفا ممولا للسياسات التربوية في عدد من البلدان. ففي المستوى العالمي، تُولِي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اهتماما لافتا لمسألة "الإدارة التربوية" باعتبار تأثيرها الثابت على مخرجات المنظومات التربوية عامة (1) كما تعتني بعض المنظمات الدولية غير الحكومية مثل منظمة " الشفافية الدولية" برصد مظاهر الفساد في التعليم ومن ضمنه فساد "الإدارة التربوية" كعامل بالغ التأثير في مخرجات المنظومات التربوية بالاعتماد على أمثلة دقيقة (2). أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فقد أَجْمَلتْ مجموعة البنك الدّولي الصعوبات التي تواجه التعليم في هذه المنطقة من العالم في "أ ربع مجموعات من التّوتّرات، هي التّوتّرات بين: الشهادات والمهارات، الانضباط والاستعلام (الاستقصاء)، السيطرة والاستقلالية والتقليد والحداثة" (3). وتحضر الإدارة التربوية في هذا التشخيص من خلال الإشارة الى التوتر بين "السيطرة والاستقلالية" وهو توتّر تُعَدّ معالجته أحد شروط الارتقاء بالأداء التربوي في هذه المنطقة التي تتذيل الترتيب العالمي لأداء المنظومات التربوية. أما في باب تطويرالادارة التربوية فغالبا ما يتواتر الحديث عن "حوكمة القطاع التربوي" ومن ضمنه الإدارة التربوية استنادا الى مبادئ التشاركية والشفافية والرقابة والمساءلة وذلك في مختلف الأدبيات التي اهتمت بالموضوع.

3. ولئن كان البعض يذهب، في سياق تعريف الإدارة التربوية، الى التمييز بين "الإدارة التربوية" و"الإدارة التعليمية" و"الإدارة المدرسية" تبعا لخصوصية مجال اشتغال كل منها وما يترتّب عنه من اختلاف في مضامين العملية الإدارية، فإن مفهوم "الإدارة التربوية" – ودون الإغراق في تفاصيل لا جدوى منها - يُجْمِل كل هذه المضامين. (4) فالإدارة التربوية هي الهياكل الإدارية الحاضنة للعملية التربوية على اختلاف مستوياتها المجالية (المركزي/الجهوي/المحلي) واختلاف مواقعها من سلسلة القيادة والتنفيذ التربويين (المستوى الأعلى/ المركزي، المستوى الوسيط/ الجهوي، المستوى الأدنى/ المحلي) في أبعادها القانونية والمادية والبشرية والتنظيمية من جهة والتدبير الإداري الميداني المباشر للعملية التربوية بما يفترضه من كفايات القيادة (التنظيم والتسيير والتواصل ومعالجة الازمات الخ...) وتقاسم للأدوار والمهام بين مختلف الفاعلين الاداريين من جهة ثانية. وهي بهذا المعنى كلّ مركّب من الهياكل الإدارية والنصوص القانونية والمهامّ الإدارية والأهداف والكفايات يشمل العملية التربوية تنظيما وتسييرا وتصرّفا بغاية تحقيق الأهداف التي حددها المجتمع لقطاع التربية والتعليم.

4. يشتغل هذا النصّ على مسألة "الإدارة التربوية" من زوايا ثلاث:

- تهتمّ الأولى بمنزلة "الإدارة التربوية" في المسار التاريخي للمنظومة التربوية التونسية منذ نشأتها سنة 1958 والعلاقة بينها وبين الشأن البيداغوجي الذي ظل يحظى بالأولوية المطلقة في كل جهد يستهدف المنظومة التربوية بالتطوير والإصلاح.

- وتهتمّ الثانية بمفهوم "الحوكمة" حيث تم التوقف عنده بالشرح الوجيز لمضامينه وسياقاته التاريخية بما ينزع عنه ما علق به من أوهام خاصة وأنه غزا العقول والأدبيات التربوية.

- أما الثالثة فتهتمّ "بحوكمة القطاع التربوي" ضمن أدبيات الإصلاح التربوي في تونس وحدودها وتنتهي بكشف في المهام العملية المتأكدة لإصلاح الإدارة التربوية بصفتها جزءا أصيلا من المنظومة التربوية الوطنية.

I

1. يرتبط الإصلاح التربوي لدى سائر المعنيين بالشأن التربوي بالمسألة البيداغوجية أكثر مما عداها من المسائل ذات العلاقة بالتربية. والحقيقة أن هذه النظرة الجزئية للإصلاح التربوي تجد جذورها في عقل تربوي يختزل مسألة التربية في البُعد البيداغوجي للعملية التربوية بِرُمّتها. فالإصلاح التربوي وفقا لهذه المقاربة هو مجرّد اشتغال على التّعلّمات في مضامينها وفي محاملها وفي طرائق وتمشيات تعليمها وتعلّمها وفي تقييمها...وقد رسخت هذه المقاربة الجزئية للإصلاح التربوي الفكرة القائلة بأن الاشتغال على هذه الجوانب الفنية هو السبيل الى نجاح المدرسة في أداء رسالتها وأن إهمالها هو السبب الرئيسي في إخفاقاتها. وتنتهي هذه الرؤية الى تغييب شبه تام لمسألة التدبير الإداري للشأن التربوي والحال أن المسألة التربوية تظل محدودة من زاوية الجدوى والنجاعة وحسن التصرّف في المتاح من الموارد في غياب تصوّر واضح للإدارة التربوية في أهدافها وفي آلياتها وفي تنظيماتها وفي كفاياتها وفي الأدوار المحمولة عليها للارتقاء بالمنظومة التربوية.

2. تُثبت مراجعة بسيطة للمسار التاريخي للمنظومة التربوية التونسية منذ تأسيسها سنة 1958 أن هاجس "الإدارة التربوية" لم يكن حاضرا بنفس الزخم ونفس الأهمية اللذين اتسم بهما حضور المسألة البيداغوجية في كل الإصلاحات التربوية التي شهدتها هذه المنظومة، يشهد على ذلك الإصلاحان التربويان لسنتي 1991 و2002. ولئن شكلت "الإدارة التربوية" حيزا من اهتمامات الإصلاح التربوي لسنة 2002، من ذلك مثلا التَّنْصيص على تمتُّع المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية والمدارس الافتراضية بالشخصية المدنية والاستقلال المالي، فإن بعض الإجراءات المتخذة في هذا الإطار ظلت محتشمة ومحدودة الأثر على الأداء التربوي العام فضلا عن كون البعض منها كان وثيق الارتباط بالجانب البيداغوجي ولم يأخذ طريقه الى التنفيذ الفعلي على الميدان مثل "مجلس المؤسسة" و" المجلس البيداغوجي". ولعل في إغفال "الإدارة التربوية" بعض ما يفسّر إخفاقات المنظومة التربوية التونسية التي لم توفق في التحول من النجاح الكمّي الذي سجلته في مستوى نسبة التمدرس إلى نجاح نوعي لا يقتصر فقط على الابعاد البيداغوجية للعملية التربوية بل يشمل كذلك التنظيمات التربوية والتدبير الإداري العام للشأن التربوي. فقد ظلت البنية العامة للإدارة التربوية ثابتة إجمالا في واقع وطني وتربوي يتّسم بالتّغيُّر المُتسارع.

3. أفضى هذا المسار التاريخي إلى منظومة تربوية "تسير بسرعتين". فبقدر ما أبانت المنظومة التربوية عن قدرة جليّة على مواكبة المستجدات البيداغوجية والاستفادة من مجلوبات نظريات التربية والتعليم وتوظيفها الى هذا الحد أو ذاك في تجويد التعليم والتعلّم من جهة، فإنها ظلت ترزح تحت نير تنظيمات تربوية ثابتة غالبا في واقع وطني وتربوي متنوّع ومتحوّل من جهة ثانية. ويبدو أن هذا الواقع ظلّ محكوما، كما كان في البدايات،بهاجس السيطرة والتحكم بدليل الإصرار على التسيير المركزي المفرط الذي يغطّي كل جوانب العملية التربوية. وعلى الرغم من بعض الإجراءات الإدارية المهمة التي تم اتخاذها في إطار تخفيف قبضة المركز على الجهات في تدبير الشأن التربوي مثل بعث المندوبيات الجهوية للتربية وترحيل بعض الصلاحيات إليها (5) فإن الممارسة اليومية تثبت استمرار هيمنة النزعة المركزية المفرطة في صياغة القرار التربوي وليس أدل على ذلك من استمرار تدخل المركز عبر آليات مختلفة في الجوانب البيداغوجية والإدارية وفي الحياة المدرسية حتّى التفصيلي منها أحيانا كثيرة.

4. شهدت السنوات اللاحقة للثورة تعاقب محاولات لإصلاح المنظومة التربوية لم يكتب لها الاكتمال بدءا من "الندوة الوطنية حول منهجية الإصلاح التربوي" (6) وانتهاء بالحوار المجتمعي حول التربية وما أفضى اليه من مخرجات أهمها على الإطلاق "الكتاب الأبيض: مشروع إصلاح النظام التربوي في تونس"  و“المخطط الاستراتيجي لقطاع التربية 2016-2020" وذلك سنة 2016. وقد مثلت "حوكمة المنظومة التربوية" القاسم المشترك بين كل هذه المحاولات وكانت عبارتا " الحوكمة" و "الحوكمة الرشيدة" الأكثر ترددا في خطاب المشتغلين على هذا الشأن. غير أن البحث في مضمون هذه العبارة في عدد من الأدبيات التي جرى انتاجها يُثبت اختزالها في المسائل ذات الصبغة البيداغوجية علاوة عما يكتنف استعمالها من غموض  إذ غالبا ما يكتسي هذا المفهوم بعدا غير محدد الملامح والحدود يجري اختزاله في جملة من المبادئ العامة التي تقوم عليها الحوكمة في كل القطاعات مثل التشاركية والشفافية والرقابة والمساءلة. فما الحوكمة؟ وما المقصود بحوكمة المنظومة التربوية؟

II

1. تُحيل عبارة "الحوكمة" (7) على معنيين: "ممارسة السلطة السياسية" و"قيادة شخص ما أو شأنا ما". وعرّفها البعض بأنها " أداة للتفكير في نماذج جديدة للدولة لغاية إصلاح نموذج الدولة-الأمة الذي اعتبر فاشلا وغير قابل للحكم" (8). فهي حينئذ آلية/ آليات للتخلّص من "الدولة الاجتماعية الراعية" التي يرى الكثيرون أنها استنفذت دورها التاريخي طيلة فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية - أو ما يطلق عليه بعض المؤرخين تسمية " الثلاثون المجيدة"- بل وتحولت الى عائق في وجه النمو الاقتصادي منذ سبعينات القرن المنصرم مع تتابع الهزات الاقتصادية في العالم الرأسمالي. وقد تزامن ظهور هذا المفهوم مع تسارع نسق العولمة (9) والتمدد المتنامي لليبرالية الجديدة. وكان الهدف المُعْلن هو تقويض "الدولة الاجتماعية السلبية" أي "دولة الرعاية" وتعويضها "بالدولة الاجتماعية النشيطة"(10) القائمة على تصور جديد لتدبير الشأن العام استنادا الى جملة من المبادئ تُعلي المقاربة التشاركية والشفافية والمسؤولية والمراقبة والمساءلة والجدوى والنجاعة والى مفهوم " التصرّف العمومي الجديد" (Nouvelle Gestion Publique). وقد برز هذا المفهوم في نفس السياق التاريخي وهو على الضدّ تماما من النموذج البيروقراطي لتسيير المؤسسات العمومية و يُعْلِي في المقابل مبادئ التسيير والتصرّف السائدين في القطاع الخاص إجمالا (11). وهكذا وجدت " الدولة نفسها مُجبرة على التحوّل الى مُنشِّط ووسيط، مستبدلة بذلك ممارسة سلطة القيادة العليا التي [طالما استأثرت بها] بإدارة مشتركة للشأن العام بالتعاون مع شركاء آخرين. ومع التحوّل في مهامّها، كان لزاما على الدولة إعادة التفكير في آليات الحكم التي تعتمدها" (12).

2. وبصيغة أكثر بساطة، فإن المعنى الأبرز للحوكمة هو انسحاب الدولة من التدبير المباشر للشأن العام. ولهذا السبب، كانت الحوكمة منذ البداية مرادفا "للخوصصة" وإنهاء الدور التعديلي للدولة في الميدان الاقتصادي من جهة ومرادفا “للاّمركزية" و "التدبير الحرّ" في الاشتغال على الشأن الإداري العام من جهة ثانية. وقد بدأت نتائج تنفيذ هذه الخيارات في الظهور في البلدان المتقدمة وفي بلدان الجنوب على السواء وتمثّلت في تدهور المرفق العمومي وتدني الخدمات الاجتماعية يشهد على ذلك تواتر الاحتجاجات الاجتماعية الرافضة لما سلطته هذه الاختيارات على المواطنين من أعباء تزداد ثقلا يوما بعد يوم. وهي أيضا تَفكُّك لسلطة الدولة وسوء اشتغال بين المركز والجهة يؤكده تنازع مستمر على صلاحيات كل من المركز والجهة وعلى صلاحيات كل من السلطة المنتخبة جهويا (المجالس البلدية / المجالس الجهوية...) والسلطة المُعَيّنة في الجهة بصفتها ممثلة للدولة. وقد يسّرت لنا الظروف معاينة ما يؤكّد هذا الاستنتاج من خلال الاطلاع الميداني على تجربة بلد متقدم هو فرنسا اختار هذا التوجه في قطاع التربية والتعليم منذ الربع الأخير من القرن المنصرم وضمن منظومة تنزع بشكل واضح الى اللامركزية في تدبير الشأن العام (13). وهكذا يتضح أن الحوكمة – على جاذبيتها الظاهرية- هي مراجعة جذرية لدور الدولة في تدبير الشأن العام وفي التنمية بمختلف أبعادها تحت غطاء جذّاب ومُغْر هو التعددية السياسية والديمقراطية التشاركية والانفتاح على مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين ومبادئ الشفافية والرقابة والمساءلة... غيرأن هذه "المغريات" لا تحجب ما خلّفه هذا التوجه من تفقير وتهميش بالمعنيين الاجتماعي والمجالي على المستوى العالمي وتحديدا في بلدان الجنوب التي اعتمدت هذا الاختيار إما اراديا، وهذا أمر نادر، أو بضغط وتوجيه وتمويل من المؤسسات المالية الدولية المقرضة والمانحة وهذا هو الغالب.

3. ولئن ظهر المفهوم أصلا في الحقلين السياسي والاقتصادي، فإن مجال تطبيقه توسّع ليشمل كل القطاعات تقريبا ومن ضمنها القطاع التربوي. وتمثلت حوكمة القطاع التربوي في البلدان التي انتهجت هذا التوجه - ومنها البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وفي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية - في اعتماد "اللامركزية" وتوسيع مجال مشاركة مختلف الفاعلين التربويين وفق صيغ وآليات تم التواضع بشأنها. وكان هذا التمشي يستهدف انهاء ما اعتبر سوء اشتغال بين مختلف المستويات المجالية للفعل التربوي أي المركزي والجهوي والمحلي فضلا عن كونه يُجسِّم ُاندراج الفعل التربوي ضمن "دولة الرعاية النشيطة". وتجدُر الإشارة في هذا السياق إلى أن حوكمة القطاع التربوي بالشكل المُشاراليه تنزّلت في بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية "مُحوكمة" وفي "مجال مُحَوْكم" سمته الغالبة هي التوجه الى " الأقلمة". ففي فرنسا مثلا، انطلق التحول الى "الأقلمة" منذ ثمانينات القرن المنصرم وتم على مراحل بحيث أن إقرار اللامركزية في تدبير الشأن التربوي - وهي الوجه الأبرز لحوكمة هذا القطاع - تنزلت في إطار وطني عام سمته التخفيف من المركزية والتوجه الى الأقلمة (14). وهذا في حد ذاته أمر مهم للغاية لأنه يجيب مسبقا على سؤال على درجة عالية من الأهمية: هل يمكن إقرار اللامركزية – لكونها المظهر الأكثر جلاء للحوكمة في تدبير الشأن التربوي- في منظومة عامة تتسم بالمركزية في تدبير الشأن العام مثل ما هو الحال في تونس؟

ما موقع تونس من هذا التوجه العام؟ وما هي مظاهر"الحوكمة" في القطاع التربوي من خلال الأفكار والادبيات المتداولة في شأن الإصلاح التربوي المنتظر؟

III

1. برز مفهوم الحوكمة في تونس في بعده الاقتصادي مع "برنامج الإصلاح الهيكلي" منذ 1986 وتَعزَّز مع تنامي انخراط البلاد في العولمة من خلال ابرام اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995. وكان مظهره الرئيسي هو "خوصصة" عدد من المؤسسات العمومية وفتح السوق الداخلية أمام البضائع الأوروبية. أما في بعده الإداري، فقد تمثل في توسيع نطاق اللامحورية لتشمل جملة من القطاعات ومن ضمنها القطاع التربوي يشهد على ذلك إصدارالأمرالمنظم للمندوبيات الجهوية للتربية. وقد تجلّى الأثر المباشر لهذا التوجه العام على القطاع التربوي في تنامي ظاهرتين ميّزتا العقود الثلاث الأخيرة وهما توسّع التعليم الخاص مستفيدا من الإخفاقات المتنامية للمنظومة التربوية العمومية نتيجة التراجع غير المعلن لدور الدولة في الشأن التربوي من جهة وإحالة وزارة التربية  لجملة  من الخدمات التربوية إلى مؤسسات تتمتع بالشخصية المدنية والاستقلال المالي تعود اليها بالنظر مثل "المركز الوطني لتكوين المكونين في التربية"  و "المركز الوطني للتجديد البيداغوجي والبحوث التربوية" و "ديوان الخدمات المدرسية"... من جهة ثانية. وبعد ثورة 17 ديسمبر-14جانفي، اكتسح مفهوم " الحوكمة" الساحة التونسية وصار يُقدّم على أنه الوصفة السحرية الكفيلة بمعالجة سوء التنمية والتباينات الاجتماعية / المجالية والبطالة وبالتصدي لمخاطر الارتداد الى الاستبداد. ومثلت اللامركزية المظهر الرئيسي "للحوكمة" في تدبير الشأن العام. وخُصِّصَ لهذا الشأن الباب السابع من دستور 27 جانفي 2014 تلاه القانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 المؤرخ في 9 ماي 2018 المتعلّق بمجلة الجماعات المحلية.

2. أما في القطاع التربوي، فقد أطلقت وزارة التربية سنة 2015 حوارا مجتمعيا حول التربية أَجْمَلت مُخْرجاتِه ضمن وثيقة جامعة صدرت في ماي 2016 هي "الكتاب الأبيض، مشروع إصلاح المنظومة التربوية في تونس" والتي تم تضمينها "المخطط الاستراتيجي القطاعي التربوي 2016-2020". وفي إطار هذا المخطط الاستراتيجي مثَّل "تكريس مبادئ الحوكمة الرشيدة صُلب المنظومة التربوية" الهدف التاسع من الأهداف الاستراتيجية لهذا المخطط الخماسي (15). واللاّفت في هذه الوثيقة أن مقاربة الإدارة التربوية تقوم على التسليم الضمني بالبنية الإدارية التربوية المألوفة منذ عقود والتصرف فيها عبر تعزيز اللامركزية من جهة، والتعهد بتطوير كفايات القيادات التربوية مركزيا وجهويا من جهة أخرى. وتكشف الوثيقة أن مقاربة الإصلاح التربوي برمّتها تشي بأولوية البيداغوجي على الإداري من خلال الإجراءات المُبرمجة. وهكذا نعود الى نقطة الانطلاق وهي أولوية البيداغوجي على الإداري في الاشتغال على الشأن التربوي. وبذلك جرى اختزال حوكمة القطاع التربوي في إقرار التوجه الى اللامركزية وهو اختزال يُغيِّب مفهوم الإدارة التربوية بما هي هياكل إدارية في حاجة متأكدة الى المراجعة والتطوير ويُنكِر بصفة ضمنية ما لها من دور ثابت في التأثير على مخرجات العملية التربوية كما ونوعا. كما اتسم مضمون الوثيقة بعدم التوازن في مقاربة المُكَوِّنَيْن البيداغوجي والإداري للعملية التربوية. والرّأي أن التردّي المتنامي لمُخْرجات العملية التربوية لا يرتبط فقط باعتبارات مادية تتعلق بالفضاءات وبضعف تأهيل الموارد البشرية البيداغوجية والإدارية و "بإخفاقات بيداغوجية" بل يرتبط كذلك بالمفارقة الجلية بين تنظيمات إدارية ثابتة تصوّرا وبنية ووظائف وقيادة وبين واقع تربوي متحوّل كما ونوعا. والرأي ثانية أن "الإخفاقات البيداغوجية " التي تُمثّل المبرّر الرئيسي للإصلاح التربوي لا يمكن تجاوزها إذا استمر الاشتغال عليها في إطار نفس المنظومة الإدارية الموروثة. والرأي أخيرا أن المراجعة الشاملة لمنظومة الإدارة التربوية – أهدافا ونصوصا قانونية وبنية ووظائف ومهامّ وكفايات - هي شرط ضروري لتطويرمُخْرجات العملية التربوية. 

3. تبدو مقاربة الحوكمة في الشأن التربوي في حاجة إلى المراجعة في اتجاه توسيع مجال تطبيق هذا المفهوم على الواقع التربوي باعتبار الحقائق الاقتصادية-الاجتماعية الحافة به. فالحوكمة من هذا المنظور لا تعني انسحاب الدولة من إدارة الشأن العام على المعنى المعروض سابقا من جهة ولا تعني اختزال حوكمة الإدارة التربوية في اللامركزية في تدبير الشأن التربوي من جهة ثانية.  والرأي أن تشمل حوكمة القطاع التربوي على السواء الإدارة التربوية والمسألة البيداغوجية بما يخلّص المنظومة التربوية مما يعطلها من معوقات بعضها مرتبط ببنية المنظومة التربوية ذاتها في أبعادها الادارية التنظيمية. ولقد أثبتت الأزمة المرتبطة بفيروس كورونا خلال النصف الأول من سنة 2020 الحاجة المتأكدة الى إقرار إدارة تربوية تتسم بدرجة عالية من المرونة بما يؤهلها للتعاطي الذاتي السريع والناجع مع المستجدات دون انتظار أوامر أو توجيهات المركز. كما كشفت هذه الأزمة عن الحاجة المتأكدة للاشتغال المنهجي على كفايات القيادة التربوية بما يعُزّز القدرة على التصرّف في الأزمات. وليس صدفة أن جرى الانكفاء على المركزية المفرطة في تعاطي وزارة التربية مع الأزمة. والرأي أن هذا الانكفاء وبقدر ما يعكس خطورة الأزمة فإنه يعكس توجُّسا من اللامركزية في تدبير الشأن التربوي لا يزال يستوطن العقل التربوي التونسي، علاوة عن كون هذا الانكفاء يندرج ضمن انكفاء عام على المركزية في صياغة القرار الوطني بمناسبة هذه الأزمة (16).

4. ومن أوكد المهام التي تتوجب المبادرة بالاشتغال عليها اليوم:

- التوجه الى إرساء نموذج لامركزي للإدارة التربوية عوضا عن النموذج المركزي، ذو الاتجاه العمودي السائد منذ عقود والمحكوم دائما بهاجس السيطرة والتحكم. ومن المساوئ الكبرى لهذا النموذج في تدبير الشأن التربوي أنه يسهم في توتر العلاقة بين مستويات اتخاذ القرار التربوي المختلفة ويفضي إلى أوضاع غريبة في علاقة بظرف عام يتسم بتراجع سلطة الدولة مقابل تنامي مراكز قوة استوطنت سلسلة اتخاذ القرار التربوي عامة يشهد على ذلك تواتر "المواجهات" خلال السنوات الماضية بين القيادة المركزية والقيادات الجهوية والمحلية للإدارة التربوية. وفضلا عن ذلك، فإن هذا النموذج يُغذّي السلوكات "السلبية" في مواجهة ما يطرأ من صعوبات ميدانية ويقضي على روح المبادرة لدى القيادات التربوية التي تفضّل التقيد بالنصوص القانونية والتراتيب الجاري بها العمل على المغامرة بإجراءات ومبادرات قد تنعكس سلبا على مستقبلها المهني. وهكذا فإن استمرار اعتماد نموذج الإدارة "الأوتوقراطية " عامة هو واحد من عوامل وهن المنظومة التربوية. ولن يتسنى التخلص من هذا النموذج الا بتطوير الهياكل التشاركية الموجودة وتفعيلها مثل " الهيئة العليا لوزارة التربية “و" ندوة المديرين " في المستوى المركزي و"المجلس البيداغوجي للمندوبية الجهوية للتربية" في المستوى الجهوي و "مجلس المؤسسة" و "المجلس البيداغوجي" في المستوى المحلي أو بعث هياكل جديدة أساسها الشراكة في تدبير الإدارة التربوية.   

- مراجعة التنظيم العام لوزارة التربية في اتجاه تبسيط هياكلها في علاقة بإرساء اللامركزية في تدبير الشأن التربوي إذ لا مبرر اليوم لهذا الجهاز الثقيل والمعقد الذي يُعلِي اللامركزية قولا ويمارس مركزية مفرطة في اتخاذ القرار التربوي حتى التفصيلي منه أحيانا.

- التوجه الى منح المدرسة الابتدائية الشخصية المدنية والاستقلال المالي أسوة بالمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية بما يساعدها على مجابهة مشاكل الصيانة والتزود بالمواد المكتبية وفك ارتباطها في هذا الميدان بالمندوبيات الجهوية للتربية. واعتبارا للصعوبات التنظيمية والمالية الملازمة لهذا التوجه، فالرأي أن يتم في مرحلة أولى الاشتغال على هذه المسألة في نطاق "دوائر تربوية" صلب المندوبية الجهوية الواحدة يتولى الاشراف على كل واحدة منها مدير دائرة يساعده عون محتسب على التصرّف في الموارد المالية.

- وضع آلية تستند الى معايير دقيقة لانتداب مديري المؤسسات التربوية (17) حيث لا موجب للاستمرار في اعتماد آلية ما بعد الثورة خاصة وأنها اثبتت فشلها الذريع. ولا بدّ من الاعتراف دون مكابرة أو انكفاء على "الهوية المهنية" أن ضعف تأهيل مديري المؤسسات التربوية وضعف تكوينهم في ميدان التسيير والتصرف في الموارد البشرية والموارد المالية والفضاءات وفي التصرّف في الأزمات هو أحد أسباب تردي الأوضاع في المؤسسات التربوية على مستوى مناخ العمل وصيانة الفضاءات والمعدات والنتائج المدرسية عموما. والرأي أن يكون العنوان الأبرز لهذه الآلية هو "الاحترافية".

- التوجه الى مراجعة بنية الإدارة التربوية بالمندوبيات الجهوية للتربية وبالمدارس الإعدادية والمعاهد بإقرار نظام الأقطاب الإدارية: قطب بيداغوجي / قطب إداري - مالي / قطب اجتماعي- ثقافي – رياضي (الحياة المدرسية) / قطب إداري للبناءات والتجهيزات (خاص بالمندوبيات الجهوية للتربية). ويفترض هذا التوجه تحيين النصوص القانونية المتعلقة بهياكل الإدارة التربوية وبمهام وصلاحيات مختلف أصناف قياداتها بما يضمن وضوح المهام ويُجنّب سوء الاشتغال ومخاطر تنازع الصلاحيات.

- وضع وثيقة مرجعية شاملة تتضمن تحديدا دقيقا للمعايير المهنية للقيادات التربوية في كل المستويات بما يضمن الشفافية في التكليف والنجاعة في الممارسة وييسر المتابعة والتقييم والمساءلة التي هي من شروط حوكمة القطاع التربوي.

- التسريع في نسق التحول الرقمي في الإدارة التربوية باعتبار هذا التحوّل أحد آليات حوكمة القطاع.  

خاتمة

لا تخلو الإدارة التربوية في تونس من تجارب ناجحة في تدبير الشأن التربوي غير أن هذا النجاح هو حصيلة ما تتسم به بعض القيادة التربوية، بصرف النظر عن موقعها من سلسلة اتخاذ القرار، من خصال شخصية وكفايات مهنية ذاتية تمت مراكمتها من خلال التجربة. وهذا يعني أن النجاح المسجل هنا أو هناك لا يرتبط بنموذج مخصوص في اشتغال "الإدارة التربوية" كمؤسسة بقدر ما يرتبط بعوامل تتعلّق بذات القيادة التربوية. لقد أصبحت الحاجة الى التحوّل من إدارة تربوية تستند الى الخصال الشخصية والكفايات المهنية الذاتية للقيادة التربوية الى إدارة تربوية تقوم على الاشتغال كمؤسسة تستند لا فقط الى ترسانة قانونية بل وكذلك الى مرجعية نظرية في علاقة بعلم الإدارة أمرا مُلحّا وهو تحوّل يقع في الصميم من حوكمة القطاع التربوي. كما أن تطوير الإدارة التربوية أمر تفرضه التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى الوطني والتطورات التي يشهدها التدبير الإداري للشأن التربوي عبر العالم. وهو، علاوة عما تقدّم، أمر تفرضه الحاجة الى تثمين التجديدات البيداغوجية التي سجّلتها المدرسة التونسية عموما في العقود الأخيرة وتعظيم الاستفادة منها والحال أنه ما من سبيل إلى ذلك في إطار إدارة تربوية بيروقراطية ثابتة في واقع متغيّر. إن الاتساق بين الأداء البيداغوجي وأداء الإدارة التربوية أمر مطلوب لضمان الجدوى والنجاعة في اشتغال المنظومة التربوية.

يبدو الأمر في جوهره رهينَ تَمثُّل منزلة الإدارة التربوية ضمن المنظومة التربوية من جهة ومقاربة مسألة الحوكمة في قطاع التربية والتعليم من زاوية ما يرتبط بواقعنا الاقتصادي والاجتماعي من جهة ثانية والتوفّق في تحقيق التمفصل بين البيداغوجي والإداري في الاشتغال على الشأن التربوي أخيرا. والرأي أن الاشتغال على هذه الإشكاليات والتوفّق الى معالجتها خطوة ضرورية على الطريق الطويلة والشاقة لإصلاح المنظومة التربوية.

--------------------

حسين الحامدي

تونس/ جويلية 2020

--------------------

الهوامش

(1) - منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، إعادة التفكير في التربية والتعليم، نحو صالح عالمي مشترك؟ 2015

http://unesdoc.unesco.org/images/0023/002325/232555a.pdf

  • منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، التقرير العالمي لرصد التعليم: " المساءلة في مجال التعليم: الوفاء بتعهداتنا"، 2017. (أنظر الفصل 1 والفصل 21)

http://unesdoc.unesco.org/images/0025/002593/259338A.pdf

 (2) منظمة الشفافية الدولية International Transparency: تقرير الفساد العالمي: التعليم، 2013.

 https://images.transparencycdn.org/images/2013_GCR_Education_AR.pdf

(3) مجموعة البنك الدولي، توقعات وتطلعات، إطار جديد للتعليم في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، نظرة عامة، 2018، ص من 4 إلى 9.

https://openknowledge.worldbank.org/bitstream/handle/10986/30618/211234ovAR.pdf

(4) د. أحمد بطاح ود. حسن الطعاني، الإدارة التربوية، رؤية معاصرة، ص. 16-17. دار الفكر-عمّان، 2016.

(5) أنظر الأمر عدد 2205 مؤرخ في 6 سبتمبر 2010 يتعلق بإحداث المندوبيات الجهوية للتربية وبضبط تنظيمها الإداري والمالي ومشمولاتها وطرق تسييرها.

(6) "الندوة الوطنية حول منهجية الإصلاح التربوي" في تونس، انتظمت هذه الندوة أيام 29 و30 و31 مارس 2012 بنزل البلاص بقمرت وشارك فيها خبراء تونسيون وأجانب وعدد من رجال التربية من مختلف جهات البلاد. وقد شهد يومها الثاني احتجاج المربين الحاضرين على تنظيم هذه الندوة وعلى مضمونها.

أنظر: جريدة المسيرة، العدد 11، من الثلاثاء 3أفريل إلى الاثنين 9 أفريل2012، ص3:"ندوة وزارة التربية: التقييمات والانتظارات".

(7) تعود عبارة الحوكمة الى أصل لاتيني (gubernare) وتعني "قيادة السفينة". وظهرت لأول مرة في اللغة الفرنسية القديمة في القرن الثالث عشر ميلادي (gouvernance) وتشير الى "الحكم" / "الحكومة" ثم انتقلت الى اللغة الإنجليزية في القرن الرابع عشر ميلادي (governance). عاد هذا المفهوم إلى الظهور خلال النصف الأول من القرن العشرين وشاع استعماله منذ السبعينات في العالم الأنقلوسكسوني على يد علماء السياسة والاقتصاد وعدد من المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة.

(8) GOBIN, C. (2007)، «Gouvernance», in Quaderni, n°63, Nouveaux mots de pouvoir: fragments d’un abécédaire, pp. 54-57.

https://www.persee.fr/doc/quad_0987-1381_2007_num_63_1_1778

ولمزيد التعمّق في مفهوم الحوكمة، أنظر

Isabelle Lacroix et Pier-Olivier St-Arnaud

La gouvernance : tenter une définition

Cahiers de recherche en politique appliquée, Volume 4, N°3, automne 2012. p15-28

https://www.usherbrooke.ca/politique-appliquee/recherche/cahiers-de-recherche/numeros-archives/volume-4/

 (9) في العلاقة بين العولمة والحوكمة، أنظر

Jean-Marc Siroen, Emmanuelle Lavallée, Mondialisation et Gouvernance.

Idées Economiques et Sociales, N°145(Automne 2006)

http://educ-revues.fr/ID/AffichageDocument.aspx?iddoc=35285

(10) لمزيد التعمّق في مسألة التحوّل من "دولة الرعاية" الى "الدولة الاجتماعية النشيطة"، أنظر:

Cassiers, Isabelle

"De l'Etat providence à l'Etat social actif : quelles mutations sous-jacentes ?"

https://www.regards-economiques.be/images/reco-pdf/reco_45.pdf

(11) François-Xavier Merrien, La Nouvelle Gestion Publique : un concept mythique.

http://id.erudit.org/iderudit/005189ar

 (12) Pitseys, John, Le concept de gouvernance.

https://www.cairn.info/revue-interdisciplinaire-d-etudes-juridiques-2010-2-page-207.htm

(13) كان ذلك في أكتوبر 2014 في إطار زيارة رسمية أداها وفد من وزارة التربية الى فرنسا للاطلاع على تجربة اللامركزية في التربية. شملت الزيارة لقاءات مع كبار المسؤولين بوزارة التربية بباريس وعميد أكاديمية Rennes في جهة Bretagne والمجلس الجهوي لنفس الجهة. مكنت هذه الزيارة من الوقوف على مسألة الصلاحيات في الميدان التربوي بين المركز والجهة من ناحية وطبيعة العلاقة بين السلطة التربوية المُعَينة وبين المجلس الجهوي في ما يتعلق بإدارة الشأن التربوي بالجهة من ناحية ثانية.

(14) Bouvier, Alain : « Réflexions sur l’organisation du système éducatif français », Télescope, vol. 20, no 2, p. 1-16. (à partir de la page n° 9). www.telescope.enap.ca/Telescope/docs/Index/Vol_20_no_2/Telv20_no2_Bouvier.pdf

(15) وزارة التربية، الكتاب الأبيض، مشروع إصلاح المنظومة التربوية في تونس، ماي 2016.

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2016/05/1_4.html

(16) أنظر المنشور عدد 9 الصادر عن رئاسة الحكومة والمؤرخ في 25 مارس 2020 حول وجوب التنسيق مع سلطة الإشراف قبل اتخاذ التدابير والإجراءات في إطار الوقاية من خطر تفشي فيروس "كورونا" المستجد (كوفيد-19).

(17) في مارس 2014، كُلّفتُ من قبل وزير التربية بتمثيل الوزارة في الملتقى الإقليمي الذي نظمته أكاديمية الملكة رانية بعمّان / الأردن يومي 26 و27 مارس 2014 وكان موضوعه: “تفعيل اللامركزية ودعم القيادة المدرسية وتطوير إطار مرجعي عربي للمعايير المهنية للقيادة المدرسية."

وحال انتهاء المهمة، وافيته وفقا لما تقتضيه التراتيب بتقرير حول هذه المهمة مرفقا بوثائق الملتقى. فكان أن وجّه بموافاته بمقترح متكامل يتعلق بآلية انتداب مديري المؤسسات التربوية الإعدادية والثانوية. وبتاريخ 7 أفريل 2014، وجّهتُ اليه مراسلة تتضمن تصورا لآلية انتداب المديرين ومشروع ورشة عمل وطنية في الغرض ومشروع ورقة عمل لهذه الورشة.

وقد ارتأيت أن اقتطع من هذه الوثائق نص المقترح المتعلق بآلية انتداب مديري المؤسسات التربوية الإعدادية والثانوية كما قدّمته آنذاك:

"- العمل بمبدأ التناظر وفق شروط تتعلق بالشهادة العلمية (ليس أقل من الأستاذية) وبالأقدمية في مهنة التدريس (ليس أقل من عشر سنوات) وبالكفاءة المهنية (العدد البيداغوجي والعدد الإداري) مع منح من تقلّد خطة ناظر دراسات أولوية في الترشح عبر تنفيله بجملة من النقاط، هذا علاوة على خصال شخصية يمكن قياسها بواسطة اختبار فني – نفسي من شأنه أن يكشف عن القدرة على القيادة بما تفترضه من تواصل ومن مبادرة ومن ابتكار وإبداع في وضع الحلول ومعالجة ما يطرأ من صعوبات.

- يتم تفعيل التناظر بواحدة من آليتين: إما اختبار كتابي ذو صبغة علمية يكشف عن القدرات العلمية للمترشح يشفع باختبار فني – نفسي يكشف عن القدرات القيادية أو بالتناظر على ضوء ملفات المترشحين. وفي كلا الحالتين يفترض أن يرتبط التناظر- في مضمونه وفي آلياته- ارتباطا وثيقا بالمعايير المهنية المطلوبة في مدير المؤسسة التربوية.

- وفي مرحلة ثانية، يخضع المقبولون بصفة أولية وفق إحدى الآليتين إلى تكوين يدوم سنة كاملة بمعنى أنهم يواصلون مزاولة مهنتهم الأصلية ولكن لنصف الوقت، أما النصف المتبقي فإنه يخصص وجوبا للتكوين النظري في إطار دورات تكوينية مغلقة أثناء العطل مثلا والتكوين الميداني في المؤسسات التي يعملون فيها حيث يتولى المدير المشرف عليهم هذا التأطير الميداني، كما ينجزون تربصات مغلقة وفق الحاجة.

- يمسك كل مترشح "ملفّا تكوينيا" يجمع فيه التكوين النظري والتكوين الميداني ويثريه بقراءاته الشخصية وبالمشاريع التي اشتغل عليها، ويكون هذا الملف موضوع تقييم من قبل المُكَوِّنِين ويمنح المترشح علامتين واحدة تتعلق بالتكوين النظري وأخرى تتعلق بالتكوين الميداني ويكون حاصل قسمتهما على اثنين هو العدد النهائي لمرحلة التكوين. ويجري ترتيب المترشحين على هذا الأساس ويتم انتداب المديرين من ضمنهم على قاعدة الأفضلية.

- يفترض هذا التمشي وضع برنامج للتكوين يتضمن محاور التكوين النظري (التعلمات، التسيير الإداري والمالي، التصرف في الفضاءات والتجهيزات والموارد البشرية، التواصل مع مختلف العاملين بالمؤسسة التربوية ومع المحيط إلخ...) ومواطن الاهتمام في التكوين الميداني كأن يتم وضع المترشح في سياق مهني حقيقي تحت إشراف المدير المؤطر تُحددّ ملامحه بما يضمن مبدأ الإنصاف في تقييم أداء المترشحين."

والرأي أن هذا المقترح، مع الحاجة الى تطويره وتدقيق عناصره، لا يزال على درجة من الراهنية والوجاهة.

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article