Histoire moderne et contemporaine, Education, Pédagogie, Actualités politiques et socio-économiques, développement régional et Territorial,témoignage...
12 Avril 2020
بعد مضي أكثر من أربعة أشهر على ظهورالوباء المرتبط بفيروس كورونا المستجد وانتشاره عبر العالم وما يزيد عن الشهر عن اكتشافه في تونس، وتبلور السياسات المعتمدة لمواجهته، تبرز جملة من الحقائق:
1- لا يمكن القضاء على الوباء ما لم يتمّ التوصّل إلى اكتشاف دواء مضاد له ما يعني فرضية جدية لاستمراره لفترة قد تكون طويلة.
2- هذا الوباء أشدّ ضررا بين الفئات العمرية الأكثر هشاشة وهم المتقدمون في السن إجمالا (مثال التركيبة العمرية للمتوفين بسبب فيروس كورونا المستجد في فرنسا إلى حدود 31 مارس 2020: دون 15 سنة: 0٪، 15-44 سنة: 1 ٪، 45-64 سنة: 9 ٪، 65-74 سنة: 17 ٪، 75 سنة فما فوق: 73 ٪) (1) وهو مثال ينسحب على كل البلدان التي تشهد تهرّما سكانيا (2)، وعليه فإن الخسائر البشرية التي قد تترتب عنه تكون أكثر حدة في المجتمعات الهرمة عامة وبين المسنين سواء في المجتمعات الهرمة أو في المجتمعات الشابة .
3- أقصى ما حققته الآليات المعتمدة في الاشتغال عليه إلى حد الآن وخصوصا منها التباعد الاجتماعي والحجر الصحي الشامل وسائر الاجراءات المرافقة هو الحدّ من انتشار الوباء وتحقيق درجة معقولة من التناسب بين طاقة البنية التحتية الصحية وعدد المصابين بما يضمن إمكانية مريحة للاشتغال على من هم في مرحلة متقدمة من الإصابة وبما يخفّفُ الضغط على الإطار الطبي وشبه الطبي ويحميه من الانهيار سواء بفعل ضغط العمل أو العدوى. ولئن كانت هذه المكاسب هامة فإنها قابلة للتبخّر في كل حين في حالة التراخي والتوهم بالانتصار على الوباء.
4- من الواضح أن الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لآلية الحجر الصحي الشامل مرتفعة قياسا بالكلفة المترتبة عن آلية التباعد الاجتماعي والدليل أن عددا من الدول تخلّت عن الحجر الصحي الشامل وانخرطت في اعتماد أسلوب التباعد الاجتماعي المُرْفق بتقصي الوباء على نطاق واسع وبإجراءات وقائية أخرى في منتهى الصرامة.
5- ما يزال العالم مترابطا وما تزال الأدفاق قائمة بين مختلف مجالاته وإن توقف البعض منها (الأدفاق البشرية) وتراجعت كثافة البعض الآخر (أدفاق السلع والمال) ...لكن العالم سيظل محكوما بهذا المنطق لسنوات وربما لعقود. وفي مثل هذا الوضع فإن استمرار الإنغلاق يمثل تهديدا حقيقيا للاقتصاد العالمي ولاقتصادات البلدان الضعيفة تحديدا بحيث أنها مهددة بخسارة أسواقها وجزء من مواردها مما يلحق ضررا بالغا بنسيجها الافتصادي...فتزداد مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية تعقيدا. ولا بدّ من التذكير ببديهية كثيرا ما نغفل عنها في المناخات الحماسية العاطفية وهي أن الشعوب لا تعيش بالكلام المعسول ولا بالنوايا الحسنة بل تعيش بالموارد المادية الملموسة والمحسوسة وبالثروة التي تخلقها.
6- ولهذا السبب تحديدا ولأسباب أخرى، تتطلب معالجة هذا الوباء تضامنا عالميا واسع النطاق بما يمكن من خروج جماعي من المأزق في نفس الوقت أو في أوقات متقاربة ما من شأنه أن ييسر عودة المعاملات الاقتصادية ولو بوتيرة ونسق محدودين مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الوباء. وفي هذا الأمر مصلحة متأكدة لكل بلدان العالم وشعوبه على الرغم من التباينات المجحفة وسائر مظاهر الاستغلال والحيف ذلك أن الأمر يتعلق اليوم بإنقاذ النوع الانساني. ومن هذه الزاوية، تكتسي المبادرة التونسية المعروضة على الأمم المتحدة (مجلس الأمن) أهمية حقيقية بغض النظر عما قد تؤول إليه.
يبدو أن الحلّ في تونس كما في سائر بلدان العالم يكمن في حزمة من الإجراءات تدور كلها حول اعتماد التباعد الاجتماعي كآلية مركزية للتعاطي مع الوباء في المستقبل القريب وتقوم على خيارات مبدئية هي:
يقتضي الموقف الاستعداد لهذه الفرضية بخطة وطنية شاملة تغطي المجال الوطني وكل القطاعات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية على الأمدين القريب والمتوسط وخطة على الأمد البعيد تتضمن الاستعداد لتغييرات قادمة لا محالة حتى في حالة التوفق في القضاء على الوباء.
أما المراهنة على حلول سحرية أو الاستسلام للوهم فإنه لن يزيد الأزمة إلا تعقيدا، وهي أزمة إذا تمادت قد تعصف بدول بأكملها، والمطلوب هو مواجهة الحقيقة كما هي بوعي تام ودون أوهام.
تونس / 8 أفريل 2020
-----------------------
(1) https://fr.statista.com/statistiques/1104103/victimes-coronavirus-age-france/
(2) إيطاليا، اسبانيا، فرنسا، الولايات المتحدة وبدرجة أقل بكثير ألمانيا التي تنفرد بإجراءات أهمها امتلاكها لمخطط ضخم لمجابهة الأزمات تمّ تحيينه بهذه المناسبة بحيث يعرف كل متدخل دوره ومسؤولياته ولتقدمها الهائل في طب الشيخوخة وبنيتها التحتية الصحية المتقدمة جدا ( 40 ألف سرير انعاش) والملائمة للموقف وللصرامة العالية في تنفيذ آلية التباعد الاجتماعي وفرضها حجرا صحيا على المسنين.