رسالة إلى معرّف وحيد زال الانتفاع به

يا هذا... أراك تنفش ريشَك وتنفخ أوداجك وتُعْلي الصّوت...

فمن أنت؟ وما أنت؟

أفق يا هذا...

فَلسْتَ سوى معرّف وحيد في قاعدة بيانات ضخمة عبر العالم...

بل ما أنت سوى معرّف وحيد انتهت صلاحيته منذ زمن... وزال الانتفاع به...

أم أنه لا بدّ من الفجاجة في القول وفي البيان حتى تعرف قدْرك وتجلس دونه...

إذن، فليكن ما تريد.

***

يا هذا...

مع مغادرتك الحياة النشيطة، تكون قد كتبت أول سطر في قصة غروبك الكبير.

مع آخر يوم في حياتك المهنية، تكون قد استهلكت آخر عدد في سلسلة الرقم الذي طالما كان هويتك.

فبعد أن كنت نشيطا، أصبحت عاجزا.

وبعد أن كنت منتجا، أصبحت مستهلكا.

وبعد أن كنت نافعا، أصبحت "مؤذيا".

وبعد أن كنت مُعيلا، أصبحت عَالة...

***

يا هذا...

 ما أكثر ما تريد...

تريد راحة بعد تعب؟

ومتعة بعد نُصْب (شر وبلاء)؟

و"جنة" بعد "جحيم"؟

تريد فسحة لملاعبة الأحفاد؟

وتريد فسحة لملاقاة الأحباب والأصحاب...

 وتريد فسحة لزيارة بيت الله الحرام؟

 وتريد أن تعيش لتعرف مآل قومك وقد تفرّقوا أيدي سبأ؟

وتريد أن تعيش لتفكّر وتقرأ وتكتب؟

ههه...تُريد... وتُريد...وتُريد...

 ما أكثر ما تُريد....

هه...وتعتبر كل ذلك حقوقا لك على المجتمع؟

عن أي حقوق وعن أي مجتمع تهذي؟

هه...دعك من الأوهام...

فما أنت وأمثالك سوى مجرّد أرقام في قواعد بيانات تتجدّدُ كل يوم...

" افْهمْ " يا هذا: مضى زمنك وزمن أمثالك...

***

أيها المعرّف الوحيد منتهي الصلاحية

طموحك يتجاوز قدراتك

وطلباتك تتجاوز إمكانياتك

وحقيقتك غير ما يتراءى لك ...

يا هذا...

بالله عليك، أيُعْقلُ أن تطمح – وأنت في سنوات " البَيَات "- إلى تحقيق ما عجزت عنه في سنوات النشاط؟

شكر الله سعيكم (1)

***

وبعد هذا كلّه...

لقد صدر قرار الكنس ومن يملك لهذا القرار نقضا؟

مكنسة كوفيد-19 تحرّكت ومن يملك لإيقافها سبيلا؟

نحن لا نملك لهذا الداء دواء...

ولا نملك إلى تعطيل مصالح الناس سبيلا ...

أنت الماضي...ونحن المستقبل...فدعنا نعدّ لهذا المستقبل...

نعم، نعترف أنّك  ضحّيت كثيرا...ولا نسألك سوى تضحية أخيرة...

ألست تؤمن بالوطن...وبمستقبل مشرق لهذا الوطن؟ ...

 انسحب يا هذا وسيكون الوطن لك من الممتنّين...

ألا يغريك نصب تذكاري يحفظ ذكراك إن وجدنا اليه سبيلا؟

وبعد هذا كلّه...

ألا تؤمن بقضاء الله وقدره ؟

اسأل ربّك إذا ولا تشغلنا بشأنك عن دنيانا...

***

ما نحن في النهاية الا معرّفات وحيدة ستنتهي صلاحيتها يوما ما...

و تنظيف قواعد البيانات من الشوائب لا بدّ منه كي تستمر الحياة...

فلا تبتئسْ...لن تكونَ الوحيد...

--------------------

(1)  بكل لغات العالم وحيثما توجد المعرّفات الوحيدة منتهية الصلاحية.

تونس في 8 أفريل 2020