Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
TUNISIE XXI over-blog.com

Histoire moderne et contemporaine, Education, Pédagogie, Actualités politiques et socio-économiques, développement régional et Territorial,témoignage...

سلطنة عُمان، خواطر حول بلد يلفّه النّسيان

 

" لَسْتَ في الأَزْد - إنْ حَلَلْتَ – غَريبا "*

 (1)

وأنت تتأمل خارطة الوطن العربي ومحيطه الاقليمي، تسكنك الفجيعة ويتملكك وجع لا ينتهي.  ففي الجناح الشرقي أقطار تزداد تفككا وضعفا، ودمار غير مسبوق في عدد غير قليل منها، وتردّ متنام للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردّية أصلا...وتآمر العرب بعضهم على بعض لا ينتهي حتى صار خبرا يوميا ثابتا، بل أنّ هذا التآمر صار سافرا بعد أن كان خفيّا بما يشي بذهاب ما تبقى لدى من يعدُّون أنفسهم نخبا وقيادات من حياء أدراج انقياد مفضوح للكفيل الأجنبي وأدراج مصالح ضيقة وتافهة غالبا. أما فلسطين " قضية العرب الأولى" فقد حولتها الأحداث وبعض غير قليل من الإرادات العربية إلى آخر الاهتمامات العربية والدولية. ولا يقلّ الوضع في الجناح الغربي بؤسا عمّا يشهده الجناح الشرقي، فعلاوة عن الخراب "الثوري" في ليبيا والذي جعل الإقليم في عين العاصفة وعن قضية الصحراء الغربية التي تسبب توترا دائما في العلاقات الجزائرية-المغربية وتعطل تفعيل اتحاد المغرب العربي، فإن الطوق العسكري الفرنسي-الأمريكي في إفريقيا جنوب الصحراء بداعي مقاومة الإرهاب يشكل سيفا مسلطا على بلدان المغرب العربي ضد كل وحدة ممكنة وضد كل نزوع للاستغلال الحر للثروات الباطنية وضد مشروع سوق موحدة فعلية. ومقابل هذا الضعف والتشرذم والتخلف وسوء التنمية الذي يعيشه العرب، تزداد القوى الإقليمية بالمنطقة قوة ونفوذا وتأثيرا ولسنا في حاجة إلى التدليل على هذا الواقع فالعربدة الصهيونية لا حدود لها، أما إيران وتركيا فهما بصدد التحول التدريجي إلى لاعبين إقليميين ودوليين تقرأ لهما القوى العظمى صاحبة الأمر والنهي بالمنطقة ألف حساب. وأصبحت أقطار إفريقية مثل تشاد والنيجر ومالي ... بمثابة الشوكة في الخاصرة العربية يتم تحريكها عند الضرورة فتشتد الأوجاع ويزداد الانكفاء على الداخل البائس ويزداد الانقياد للإرادات المعادية وهو انقياد سيزداد تعمقا كلما ازدادت الأوضاع الداخلية سوءا...والموجع في كل ما ذكرنا أن الشعوب وحدها من يدفع ثمن هذه التطورات من كرامتها وأمنها ومعيشتها، يشهد على ذلك دمار البنى التحتية والخسائر البشرية في العراق وسوريا وليبيا واليمن وانقسام الفلسطينيين وضياع القضية، والتردي المفزع لسائر مؤشرات التنمية البشرية وتبدّد الثروات الحيوية وخاصة منها الماء والنفط ما يجعل المستقبل قاتما، مظلما.

وأنت تتأمل هذه الخارطة – الفجيعة، وتمر بالركن الجنوبي الشرقي لجزيرة العرب، تمرّ ببلد يلفّه النسيان ويتجاهله العرب هو عُمان.

في هذه الرقعة القصية المنسية شعب عربي لا يتجاوز تعداده 2.6 مليون نسمة ويستضيف قرابة 1.5 مليون وافد ويتسم بتنوع عرقي ومذهبي ديني، يبني وطنه بصمت وكبرياء.

كم أتمنى أن يستمر حكام العرب في تناسي هذه الرقعة من الأرض العربية وفي تجاهلها ... فما اهتموا ببلد أو بشأن إلا دَمّروه أو أضاعوه.... وكم أتمنى ثانية أن تنتبه الشعوب العربية في مختلف الأقطار إلى تاريخ هذا وتجربته الشعب عسى أن تجد فيهما ما يفيد في بناء الأوطان.

(2)

انطلق اهتمامي بسلطنة عمان منذ سنوات وتحديدا إثر إعصار غونو المدمر في جوان 2007... تابعت بتأثّر حقيقي ما حل بالبلاد من خسائر بشرية ودمار كبير في البنية التحتية كما تابعت جهود إعادة إعمار ما دمره الإعصار وتملكتني دهشة لا حد لها: فما من شكوى وما من طلب للنجدة أو العون، واعتماد على الذات وحسن تصرف في الموارد المتاحة وتوفق في إصلاح ما أفسد الإعصار. تم كل ذلك بصمت وهدوء، دون ضجيج، بلا ادعاء أو تبجّح ولكن بنجاعة عالية. كان الكبرياء هو العنوان الأبرز في السلوك الشعبي والرسمي بمناسبة هذه الكارثة، ففي أقطار عربية أخرى ولكوارث أقل حجما وتأثيرا تغلب المشهديّات البائسة الباعثة على اليأس وتقام البكائيّات ويعلو العويل ويسود منطق التسول منطقَ الاعتماد على الذات.

كان السؤال الذي يلح عليّ وأنا أتابع أطوار فاجعة الإعصار هو ما سرّ هذه الثقة بالنفس، ما سرّ هذا التعامل الهادئ مع الوقائع، وما مصدر هذه النجاعة العالية؟

شكلت هذه الأسئلة حافزا حقيقيا لتدبُّر الشأن العماني فواظبت على متابعة مجريات الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لهذا البلد، كما واظبت لمدة على متابعة وسائل الإعلام المرئية العمانية مع إدراكي التام لغلبة الدعاية للحاكم والسلطة القائمة على أدائها. وفي الوقت نفسه، ووفقا لما هو متاح لي من وقت، كنت بين فترة وأخرى أُعمّق هذه المتابعة بقراءات في تاريخ عمان وتراثها وإسهاماتها في الثقافة العربية الإسلامية.  وقد يسّرت لي ظروف شخصية مضاعفة هذا الجهد في الربع الأخير من سنة 2017 ، فاطلعت على مجموعة من الكتب حول الشأن العماني في مختلف الأغراض وكان للكتب التاريخية والجغرافية النصيب الأوفر، كما اهتممت بالنظام السياسي في مؤسساته وآليات اشتغاله والتطورات التي شهدها خصوصا بعد سنة 2011، فضلا عن الاطلاع على المنشورات الرسمية لحكومة سلطنة عمان حول الصحة والنقل والثقافة والخطة الخمسية للتنمية 2016-2020 ،كما عمقت النظر في برامج تطوير البنية التحتية وخاصة الطرقات السيارة والمطارات والموانئ والمناطق اللوجستية وشبكة الصرف الصحي.

(3)

يبدو أن شعب عمان قد استوعب أحكام الجغرافيا ودروس التاريخ....

فحكم الجغرافيا على عمان واعتبارا لمعطيات الموقع هو الانفتاح على العالم. وقد أسهم هذا الموقع الاستراتيجي إلى حد كبير، بل يكاد يكون حاسما، في نحت تاريخ البلاد وعلاقاتها الخارجية ومنهجها السياسي الغالب وهو ما أهّل البلاد للاضطلاع بدور همزة الوصل بين مجالات جنوب وجنوب شرق آسيا من جهة والمجالات الغربية بما فيها العربية والإفريقية.

أما دروس التاريخ فهي عديدة، ولعل أهمها أن شعب عمان قد اكتفى من الصراعات المغلفة بالقبيلة حينا وبالإيديولوجيا حينا آخر، وبالمذهب في أغلب الأحيان، تشهد على ذلك سلسلة الصراعات الداخلية طيلة القرن العشرين – على سبيل المثال-والتي لم تنته إلا في حدود 1975 (1). لقد اكتفى العمانيون من الصراعات والفتن والتناحر ويبدو أنهم خلصوا إلى أن مثل هذه الأمور لا تبني وطنا ولا تجلب رفاها ولا تمنحهم وزنا أو مكانة في المحيط الإقليمي وفي العالم. فتواضعوا على نموذج حكم ومنوال تنموي يتم تفعيله بواسطة مخططات خماسية وآليات تعايش تُحوّلُ التنوع المذهبي والاثني إلى عنصر قوة وبناء وانكبوا على العمل.

ومن دروس التاريخ ثانية أن أهل عمان من كبار بناة الحضارة العربية الإسلامية فكان منهم الفقهاء والعلماء والشعراء وقادة الرأي وقادة الجيوش والفاتحون منذ الدولة الراشدة وفي ظل الدولتين الأموية والعباسية (2) .... ويبدو أن هذا الإسهام الضخم في الحضارة العربية الإسلامية تحول في الفترة المعاصرة إلى عنصر إلهام لشعب بأسره... 

 ومن دروس التاريخ أخيرا وليس آخرا، أن هذه المجموعة البشرية نجحت في الصمود في وجه الفرس والبرتغاليين والانقليز، وحفظت هويتها وانتماءها وعاداتها وتقاليدها...فظلت الحصون والقلاع، والتجارة، والأفلاج، والقرى الجبلية، ومهن البحر، والزراعة وتربية الماشية...والمذهب الاباضي و " هبطات " عيدي الفطر والإضحى، وفن "العازي" والاحتفاء بالخيل والهجن، وقيم البداوة... إن هذه القدرة على الصمود في وجه موجات الغزو الخارجي والحفاظ على عناوين ورموز الهوية العمانية العربية الإسلامية هي نفسها التي تضمن اندفاع الشعب والبلاد للتموقع في قلب العصر دون استلاب أو انبتات.

(4)

لقد سجل شعب عمان في ظرف نصف قرن تقريبا قفزة عملاقة عنوانها الأبرز هو الالتحاق بالعصر والانتماء إليه. وما جرى هو أن شعبا محدود العدد، يعيش على رقعة محددة من هذا الوطن الكبير، رقعة تتفوق فيها الضغوطات الطبيعية على المزايا، يكدح على مر السنين الماضية من أجل حياة كريمة، يكدح دون صخب ودون شعارات جوفاء...يكدح بإصرار وكبرياء من أجل حياة أفضل ووطن أجمل لكافة المواطنين.

لم تتحول عمان إلى قوة عظمى ولا أحد – بمن في ذلك العمانيون- ادعى هذا الأمر، بل إن شعب عمان يواجه منذ سنوات صعوبات اقتصادية جدية أفضت إلى الحراك الاجتماعي "الأعنف" في منطقة الخليج العربي سنتي 2011 و2012. وهي صعوبات تؤذن بنهاية حقبة الاعتماد على الريع النفطي، وتعكس التطور النوعي للموارد البشرية نتيجة لانتشار التعليم وتطلّع المجتمع العماني ونخبه الجديدة إلى توزيع عادل للثروة وإلى مشاركة أكبر في الشأن الوطني عامة. غير أن هذه التطوّرات التي تفتح على تحديات ورهانات ضخمة في المستقبل المنظور لا تنفي ما حققه المجتمع العماني من مكاسب خلال ما يناهز نصف قرن من العمل الدؤوب تشهد على ذلك مؤشرات التنمية البشرية ومستوى البنية التحتية في الصحة والتعليم والنقل والتنويع المتزايد في قاعدة الاقتصاد الوطني، كل ذلك في إطار محيط إقليمي صعب سمته الأساسية التوتر الدائم. ويزداد هذا المنجز أهمية كما ونوعا في حالة المقارنة بما كان عليه وضع البلاد قبل سنة 1970.

(5)

في مأثور العرب حديث لا ينتهي عن الحكمة اليمانية، ولكن أجدني اليوم ووفقا للوقائع الجارية أكثر ميلا للحديث عن "حكمة عمانية". وحتى لا يذهب القارئ بالتأويل بعيدا، فالمقصود هو حكمة شعب بكل مكوناته السياسية والفكرية والمذهبية والعرقية، بل يجوز الحديث عن عبقرية شعب حوّل مواطن التنوع الموجبة للخلافات والتناحر إلى عنصر ثراء تُعزّز وحدته وتزيد في تماسكه وتؤكد التماهي بين مكوناته في ما هو جوهري، وطني جامع، بين النخبة وسائر المواطنين وإنّ في توفق العمانيين إلى حسن إدارة الاختلاف والتنوّع لدرس وعبرة لكلّ مُعتبر.

إن بوادر النهضة العمانية المعاصرة تستند إلى مقاربة تكان تكون فريدة في الوطن العربي سمتها الأساسية تثمين الإرث الحضاري وتقاليد المجتمع العماني وقيَمه وتطويعها للولوج إلى العصر من خلال نظام سياسي مخصوص – بغض النظر عن رأينا فيه طالما أن العمانيين تواضعوا عليه وارتضوه- وتنظيمات اجتماعية واقتصادية معاصرة تستمد من هذا الإرث فلسفة التسيير والإدارة والتنظيم. والثابت أن النهضة العمانية تقوم على جملة من المرتكزات الأساسية لعل أبرزها هذا التجذر في الهوية العربية الإسلامية دون غلو أو تطرف والتوفق في تحويل التنوع والتعدد الاثني والمذهبي إلى عنصر قوة وبناء ووحدة، وتطويع البنى الاجتماعية التقليدية وتطويرها بما يخدم المجتمع العماني العصري. لم يتنكر العمانيون لبنيتهم الاجتماعية القبلية ولم ينكروا المذهب الديني الغالب وهو المذهب الاباضي بل استثمروا ما في هذه البنى الراسخة في الوجدان الشعبي وفي مفردات الحياة اليومية من عناصر قوة ليبدعوا منظومة سياسية ما انفكت تتطور باستمرار هي " مجلس عمان " بشقّيْه، مجلس الشورى ومجلس الدولة. ويبدو أن القيادة السياسية العمانية أدركت أن ما سجلته البلاد من تطور اقتصادي ورقي اجتماعي يفترض مزيدا من الانفتاح السياسي على القوى الجديدة في المجتمع العماني. وفعلا فقد سجلت هذه المنظومة السياسية تطورا مشهودا فيه استجابة حقيقية وكبيرة للمطالب التي أعلنها المواطنون في الحراك الاجتماعي الذي شهدته البلاد سنتي 2011 و2012 في اتجاه مشاركة أوسع من قبل المواطنين في الشأن العام والفصل بين السلط ومقاومة الفساد والمحسوبية وإرساء آليات رقابة ناجعة في كل ما يتعلق بالتصرف في المال العام (3).

 (6)

تبدو سلطنة عمان، ومنذ مطلع الألفية الثالثة، على عتبة حقبة جديدة، ذلك أن المنوال المعتمد في الاشتغال على الشأن العام بأبعاده المختلفة والتوازنات الاقتصادية والاجتماعية التي قام عليها في ظل الضاغطات الداخلية والخارجية، قد أدى وظيفته وجرى استنفاذه. وهي اليوم في مفترق طرق: فإما المزيد من الانفتاح السياسي وتهيئة الظروف المناسبة لبروز مجتمع مدني فاعل و تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني بما يُحصّن القرار الوطني ويمنح البنية الاقتصادية الصلابة اللازمة والقدرة على امتصاص التأثيرات السلبية للأزمات الخارجية وتطوير هياكل التعليم والتكوين بما يمكن من استيعاب الطلبات المتزايدة على الشغل وكسب رهان التّعمين، وهو خيار يفرضه ما شهده المجتمع العماني من تحولات حقيقية كمية ونوعية طيلة نصف القرن المنصرم، أو العودة إلى صراعات معقدة يختلط فيها الاثني والقبلي والمناطقي والديني المذهبي وهي صراعات ثاوية قد يستثيرها استفحال الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تزيدها حدة الضبابية التي تكتنف انتقال السلطة على رأس الدولة.

ما من شك في أن الوضع الداخلي بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية – وإن بدا متماسكا في ظاهره- يختزن مؤشرات هشاشة قد تكون مؤذية لمستقبل البلاد خصوصا في ظل واقع التنوع والتعدد الداخلي من جهة وفي ظل الواقع الإقليمي المتوتر والملغوم باستمرار. وإذا كانت النخب العمانية قد أبانت – خلال الفترة المنقضية من تاريخ التجربة العمانية- عن قدرة محمودة على إدارة الاختلاف بل وتحويله إلى عنصر قوة وبناء، ما يسر تحقيق تطور ملموس في الحياة السياسية ونهضة اقتصادية ورقي اجتماعي، فإنها مطالبة اليوم بقدرة أعلى على تطوير منوال التنمية بدءا برؤية سياسية مجددة ورؤية اقتصادية واجتماعية تبني على مكتسبات المرحلة السابقة وتثمن ما شهده المجتمع العماني من تطورات إيجابية في مجملها وهو ما ييسر مشاركة أوسع في إدارة الشأن الوطني وتوزيعا أكثر عدالة للثروة ما من شأنه أن يزيد المجتمع تماسكا ويعزز الانتماء الوطني خاصة وأن آفاق النمو والتنمية تبدو غير محدودة.

إن منجزات الخمسينية الماضية هي المنصة الحقيقية والصلبة للانطلاق نحو المستقبل...فالمستقبل هو خيار العمانيين الجامع والوحيد.

--------------------------

حسين الحامدي

كتب هذا النص في صائفة سنة 2018.

----------------

  • من قصيدة أوس بن زيد العبدي.
  1. د. إبراهيم محمد إبراهيم شهداد، الصراع الداخلي في عمان خلال القرن العشرين 1913-1975، دار الأوزاعي، قطر 1989.
  2. من الشخصيات العمانية ذات الإسهام الثابت في الحضارة العربية الإسلامية: الخليل بن أحمد الفراهيدي، المبرد، المهلب بن أبي صفرة.....
  3. مركز الخليج لسياسات التنمية، الخليج 2013، الثابت والمتحول.
  4. سلطنة عمان، المجلس الأعلى للتخطيط، موجز خطة التنمية الخمسية التاسعة 2016-2020، سبتمبر 2016.
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article