Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
TUNISIE XXI over-blog.com

Histoire moderne et contemporaine, Education, Pédagogie, Actualités politiques et socio-économiques, développement régional et Territorial,témoignage...

قانون الطوارئ الاقتصادية: بين واجب العمل و ترف الجدل

ملاحظة لا بدّ منها : كُتب هذا النصّ في شهر أكتوبر 2016 وقد كان الجدل محتدما حول وجاهة قانون الطوارئ الاقتصادية  وحاجة البلاد إليه، وكنت حينها أمارس مسؤولية إدارة الشأن الجهوي. وظل هذا النص  حبيس الحاسوب لتعذّر نشره آنذاك. وقد ارتأيت نشره اليوم باعتباره ذا راهنية حقيقية، فالمسألة الاقتصادية الاجتماعية مُلحّة ومعالجتها بإجراءات استثنائية من ضمنها إقرار قانون الطوارئ الاقتصادية تبدو حلا على درجة من الوجاهة رغم كل التحفظات التي عبر عنها الكثيرون حينها.

(1)

يثير قانون الطوارئ الاقتصادية جدلا واسعا عبر مختلف المحامل الإعلامية منذ أن تقدمت حكومة الوحدة الوطنية في شأنه بمشروع إلى مجلس نواب الشعب. والرأي أن هذا الجدل على أهميته - بما هو مجاهرة بهواجس مشروعة تتعلق بحسن التصرف في المال العام وشفافية معاملات الدولة وأجهزتها في تدبير مسألة المشاريع التنموية – هو في جوانب كثيرة منه وبالنظر إلى الأبعاد التي اتخذها ضرب من الترف في علاقة بالطابع الحرج للوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده البلاد. ففي الوقت الذي يكاد يغيب فيه الجدل حول دواعي اتخاذ مثل هذا الإجراء الاستثنائي، تحضر بقوة - وبشكل يكاد يكون معطلا- الهواجس التي تتعلق بمخاطر سوء التصرف التي يمكن أن يفتح عليها إقرار هذا القانون.

إن المرء ليعجب من ازدواجية العقل التونسي :

فكيف لنفس العقل أن يقبل بإقرار إجراءات استثنائية كلما تعلق الأمر بضرورات أمنية من جهة ويرفض مثل هذا التمشي أو يتحفظ عليه عندما يتعلق الأمر بضرورات اقتصادية – اجتماعية من جهة ثانية؟

(2)

 لن تفهم الحاجة المتأكدة بل والحيوية إلى هذا القانون خارج السياق الاقتصادي- الاجتماعي الذي عاشته وتعيشه البلاد في إطار المسار التاريخي المركب والمعقد للسنوات الخمس الماضية والذي أفضى إلى الحقائق التالية:

- راهنية الشعارات التي رفعت أثناء الثورة بعد انقضاء خمس سنوات بدليل عدم تسجيل أي تقدم حقيقي في الملفين الاقتصادي والاجتماعي.

- تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ما أفضى إلى استمرار التوتر الاجتماعي تشهد على ذلك الاحتجاجات المتدحرجة صعودا ونزولا في الزمن وفي المجال.

- تزايد الهوة بين جمهور المواطنين والنخبة الفكرية والسياسية نتيجة بعد الخطاب عن واقع سماته الرئيسية هي الهشاشة والتعقيد والتغير المتسارع وتشعب الحاجات. فالنخب الفكرية والسياسية تبدو في الأغلب الأعم مرتاحة إلى مرجعيات ونماذج ثابتة تشي بذلك كل عناصر الخطاب، كما يشي بذلك الإغراق في السياسي عامة على حساب الاقتصادي- الاجتماعي.

- التآكل المتنامي لما تبقى من رصيد الثقة في الدولة وفي أجهزتها وفي نخبها الفكرية والسياسية في ظل عطالة مدمرة في إدراك الواقع وفي ابتداع أفكار وحلول تتجاوز المقاربات المألوفة في علاقة بالسمة الاستثنائية للوضع العام بالبلاد.    

- تنامي المخاطر الخارجية والداخلية التي تستهدف بشكل متزايد كيان الدولة التونسية  ووجودها كمدخل لاستهداف الوطن.

ومقابل هذه الصورة التي تزداد قتامة يوما بعد يوم، فتتعمق المشكلات وتزداد حلولها صعوبة مع مر الزمن، نلاحظ مفارقة ثانية لا تقل خطورة عن سابقتها: تعطل نسبة هامة من المشاريع التنموية وخاصة منها تلك التي برمجت بين 2012 و2015 رغم توفر الاعتمادات ما يعني تأبيدا للركود الاقتصادي وما يرافقه من تنام للتوتر الاجتماعي.

(3)

إن الحقيقة الدامغة تكمن في المفارقة بين الطابع الاستثنائي للأوضاع العامة في البلاد من جهة وآليات الاشتغال عليها من جهة ثانية. فالقوانين والإجراءات والتدابير الإدارية المعتمدة حاليا في الاشتغال على عملية التنمية هي قوانين وإجراءات وتدابير وضعت لسياقات عادية لا استثنائية مثلما هو الحال اليوم، وهو ما يجعل من مواصلة اعتمادها في السياق الحالي الاستثنائي بكل المقاييس خطأ جسيما تتجلى عواقبه تعطلا للمشاريع وتفاقما للبطالة وفقدانا متزايدا للأمل لدى شريحة واسعة من المواطنين وبالنتيجة تهديدا حقيقيا لكيان الدولة والوطن.

وباختصار ومن واقع التجربة الميدانية، فإن القوانين الجارية في هذا الشأن والمعمول بها حاليا، مضاف إليها الروتين الإداري، أصبحت معطلا حقيقيا لعملية التنمية. وحيث أن مراجعتها على ضوء استحقاقات الوضع الحالي تتطلب من الوقت ما لا تسمح به الظروف الحالية، فإن الاجراءات الاستثنائية تفرض نفسها.

كما أن التقيد المطلق بمقتضيات الدستور دون اعتبار الظرف الاستثنائي الذي تعيشه البلاد يفضي إلى تحويل الدستور- موضوعيا- إلى معطل للتنمية ومعطل لإنقاذ الدولة و البلاد من المخاطر المحدقة.

فما فائدة الدستور وترسانة القوانين في ظل دولة مهددة بالتفكك وبالانحلال؟ وأي مضمون للحرية في ظل مثل هذا الخطر القائم؟

(4)

إن المسألة برمتها هي رهن قراءة المرحلة الحالية في خاصياتها واستحقاقاتها وأولوياتها. والرأي أن السمة الغالبة على هذه المرحلة بغض النظر عن التفاصيل هي وجود نزوع متنام إلى استهداف كيان الدولة ذاته بالتشكيك والإضعاف فالتفكيك سواء عبر التهديد الأمني الذي تمثله قوى الإرهاب والتطرف أو عبر الإنهاك الاقتصادي متعدد الأوجه - ومن ضمنه تعطل المشاريع التنموية- الذي يعمق الأزمة الاقتصادية ويفاقم المشكلات الاجتماعية أو عبر تتفيه رموز الدولة ومؤسساتها. إن استهداف الدولة التونسية يعني استهداف المنجز الشعبي الأكبر عبر تاريخ البلاد: دولة كل التونسيين. وبذلك يكون الرهان الحقيقي للمرحلة هو إنقاذ الدولة التونسية مما يهددها من مخاطر الانحلال والتفكك وهو الأولوية التي يفترض أن يجتمع حولها التونسيون. وإنقاذ الدولة هو المدخل الرئيسي لإنقاذ البلاد عامة، ولن يتيسر ذلك إلا عبر مواجهة الارهاب من جهة واعتماد إجراءات ذات طابع استثنائي في معالجة المعضلات الاقتصادية والاجتماعية. أما ما يعدو ذلك من اعتبارات فهو مجرد ترف فكري من قبيل البحث في جنس الملائكة الذي كان موضوع جدل بين نخب بيزنطة في الوقت الذي كانت فيه أسوار عاصمتهم تدك من قبل العثمانيين في أواسط القرن الخامس عشر للميلاد.

(5)

 يمثل قانون الطوارئ الاقتصادية آلية وجيهة يفرضها الواقع وتفرضها الحاجة، هدفها الأساسي الإسهام في إنقاذ البلاد من المخاطر الداخلية القائمة في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي واستتباعاتها على كيان الدولة ومصير الوطن. ويتمثل هذا القانون في إجراءات استثنائية تتعلق بتأمين تنفيذ المشاريع التنموية بالسرعة والنجاعة المطلوبين في هذا الظرف بالذات بما من شأنه أن ينعش الدورة الاقتصادية ويبعث الأمل في إمكانية الانتعاش الاقتصادي الذي سيفتح حتما على إمكانيات أكبر لمعالجة مسألة البطالة. إن توسيع الحاضنة السياسية لحكومة الوحدة الوطنية وإعلاء قيم التوافق السياسي ضروريان في هذا الباب ولكنهما غير كافيين إذا لم ترافقهما حزمة من الإجراءات الاستثنائية تنصب على ملف التنمية على أن تكون هذه الإجراءات محكومة بسقف زمني محدد وبأهداف مضبوطة وآليات عمل دقيقة وضمانات حول حسن التصرف في المال العام.

(6)

يمكن تلخيص الأهداف المباشرة لهذا الإجراء الاستثنائي في النقاط التالية:

- اختصار الآجال في ما يتعلق مثلا بتخصيص الأراضي وتغيير صبغتها بما ييسر تجاوز المشاكل العقارية التي تعطل تنفيذ عدد من المشاريع وكذلك الشأن بالنسبة لطلبات العروض وإبرام الصفقات.

- تبسيط الإجراءات من خلال الاقتصار على الوثائق الأساسية في إطلاق المشاريع.

- الحد من تشعب وتعدد الأطراف المتدخلة من خلال إرساء هيكل جامع يتولى معالجة مختلف جوانب المشروع مع الأطراف المعنية لتجنب ثقل رد الفعل الإداري وطوله وتعدد المتدخلين في مسار إنجاز المشروع.

- استحثاث توفير فارق الاعتمادات في المشاريع التي تعطل إنجازها ذلك أن كلفة المشاريع تزداد مع تقدم الزمن وتصبح الاعتمادات الأصلية غير كافية ما يفرض استكمالها بالسرعة المطلوبة لضمان الإنجاز.

- تحريك المشاريع الكبرى المهيكلة ذات المفعول الحثي إقليميا و وطنيا.

- تهيئة الأرضية الاقتصادية لتنفيذ المشاريع المبرمجة بالمخطط الخماسي 2016-2020.

(7)

في مستوى آليات تنفيذ هذا التمشي وتيسيرا لتحقيق هذه الأهداف ، الرأي أن تتشكل لجنة قيادة لتفعيل المشاريع المعطلة ترتبط برئاسة الحكومة وتتولى هذا الملف على أن تضم خبراء في القانون والاقتصاد وفي إدارة المشاريع التنموية وتوظيف الموارد البشرية وفي التنمية الجهوية وتسندها ممثليات في الجهات وهي الإدارات الجهوية للتنمية. وتنجز هذه اللجنة جردا عاما في المشاريع الوطنية والجهوية المتعطلة وتضع تصورات لتجاوز أسباب التعطيل وفق منظور يستفيد من المقاربة الاستثنائية للاشتغال على المشاريع المتعطلة. وتدعى هذه اللجنة إلى إنجاز محطة تقييمية لدرجة التقدم في معالجة ملف المشاريع المتعطلة وفق تواتر معقول، مرة كل ثلاثة أشهر مثلا، بما يمكن من تقييم ما تم إنجازه وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية وتعديل الإجراءات المتخذة في الغرض وتدارك النقائص في مستوى تنظيم العمل والإجراءات المعتمدة.

(8)

أما عن الهاجس المتعلق بالشفافية في التصرف في المال العام، وهو هاجس على درجة عالية من الوجاهة، فيتم الاشتغال عليه عبر آلية للمراقبة والمساءلة من جنس الرقابة اللاحقة بما لا يحول الرقابة عامة إلى معطل للمشاريع التنموية. ويمكن في هذا الباب أن تضطلع السلطة التشريعية بدور مركزي من خلال بعث خلية في الغرض صلب لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس نواب الشعب تعرض عليها لجنة قيادة تفعيل المشاريع المعطلة دوريا التمشيات المعتمدة والنتائج المسجلة والضمانات المعتمدة في تنفيذ المشاريع. وبهذه الصورة، تمارس السلطة التشريعية سلطتها الرقابية الأصلية، وتكون في الوقت نفسه شريكا في الاشتغال على مسألة المشاريع المعطلة بما يتناغم و روح التوافق السياسي السائدة في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من جهة وينسجم مع البعد الاستثنائي والظرفي لقانون الطوارئ الاقتصادية من جهة ثانية وتكون أخيرا ضامنا ذا مصداقية لا جدال فيها في حسن التصرف في المال العام.

(9)

إن الواجب يقتضي المصارحة بحدود هذا القانون حتى في حال المصادقة عليه. فهذا القانون لوحده لن يصنع الربيع الاقتصادي في تونس، ذلك أن تعطل المشاريع هو واحد من أوجه القصور الاقتصادي في البلاد، لكنه قد يشكل بداية دينامية اقتصادية ذات مفعول حثي يشمل مختلف أوجه التنمية. إن واجب إنقاذ الدولة والبلاد يقتضيان إرفاق قانون الطوارئ الاقتصادية بحزمة من الإجراءات تشمل مقاومة التهرب الجبائي والتهريب والاقتصاد الموازي والفساد عامة وتوفير مناخ ملائم للاستثمار. لم لا يكون هذا القانون هو البداية الحقيقية لجهد وطني تشاركي واع ينقذ الدولة والبلاد من المخاطر الحقيقية التي تتهددهما؟ وحتى لا نبكي يوما ما وطنا لم نبذل الجهد اللازم في اللحظة التاريخية الحاسمة لصونه وحتى لا نندم يوم لن يفيد الندم.

(10)

وختاما، يبدو أننا شعب بلا ذاكرة....

لقد ظل تاريخ تونس، بما هو عبر ودروس، الغائب الأكبر طيلة السنوات الخمس الماضية من عمر الثورة التونسية بين النخب وجمهور المواطنين. ومن المهم أن يعود أهل الرأي عامة والحريصون منهم فعلا على كيان الدولة التونسية وعلى السيادة الوطنية إلى تاريخ البلاد في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر بالدرس والتمحيص والتدبر. ولينتبهوا إلى انتفاضة القبائل سنة 1864  في مسارها ومآلاتها وما ترتب عن السياسات المعتمدة في التعاطي معها ومع نتائجها من تدخل أجنبي سافر وأزمة اقتصادية واجتماعية حادة سنوات 1865 وما تلاها أتت على ثلث السكان مجاعة وأوبئة وفتحت على تنصيب الكوميسيون المالي سنة 1869 عندما أفلست الدولة التونسية. لقد أفضى هذا المسار إلى النهاية المحتومة - في ظل وضع دولي يتسم بتنامي النزعة الاستعمارية آنذاك- وهي انتصاب الحماية الفرنسية بتونس سنة 1881. ولئن كان من المتعارف عليه أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مأساة...أو مهزلة، فالثابت أنه غني بالعبر والدروس ولكن يبدو اليوم أن المعتبر( بكسر الباء) منا إما قليل أو لا يسمع له رأي... وكأنما نستحث الخطى - نخبا ومواطنين- في اتجاه المأساة... أوالمهزلة.

 

-----------------------------

باجة في 06 أكتوبر 2016

حسين الحامدي

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article