Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
TUNISIE XXI over-blog.com

Histoire moderne et contemporaine, Education, Pédagogie, Actualités politiques et socio-économiques, développement régional et Territorial,témoignage...

انتفاضة 1864 بالبلاد التونسية: الوقائع والأطوار

 

1. نذر الانفجار الكبير

ارتبط تصاعد التمرد منذ عشرينيات القرن التاسع عشر في تونس الداخلية بظرفية اتسمت باشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تغير ميزان القوى في البحر المتوسط لفائدة القوى الاستعمارية الأوروبية. وكانت النتيجة المباشرة هي تراجع مداخيل الدولة التونسية بعد إنهاء القرصنة البحرية التي كانت توفر موارد هامة وتسهم في الحركية الاقتصادية بالبلاد وذلك على إثر البعثة العسكرية التي قادها اللورد إكسماوث سنة 1816. وفي الوقت الذي تزايد فيه الضغط الخارجي على موارد الدولة، تزايدت المصاريف بمناسبة الاصلاحات العسكرية التي أقرها أحمد باي، وهي إصلاحات شكلت ضغطا جليا على موارد الدولة وقلصت في الوقت نفسه من اليد العاملة الفلاحية بفعل التجنيد القسري للسكان القادرين على العمل المنتج ما افضى إلى تراجع المساحات المزروعة وتقلص المحاصيل الزراعية. وبذلك تزامن تراجع الثروة مع تزايد حاجة الدولة إلى الموارد المالية.

أفضى هذان العاملان الخارجي والداخلي إلى تنامي توجه السلطة الحاكمة إلى دواخل البلاد لتوفير ما نقص من موارد خارجية عبر إقرار ضرائب متنوعة وعبر اعتماد الغصب في استيفائها وشكل هذا الأمر عبئا حقيقيا على السكان في ظل اقتصاد معاشي لا يكاد يفي بالحاجات الضرورية (1).

وفرت هذه الأرضية مجالا خصبا لحركات تمرد ما انفكت وتيرتها تتصاعد فتعاقبت طوال القرن التاسع عشر"انتفاضة أولاد مساهل من قبيلة ماجر في الوسط الغربي سنة 1812، و"عربان" الكاف في نفس الفترة والذين التحقت بهم سنة 1819 قبائل منطقة صفاقس حتى حدود طرابلس، وفي سنتي 1824-1825 جاء دور الشمال الغربي ( منطقة باجة)، ثم منطقة ماطر في سنة 1837، وفي سنة 1840 كانت الاضطرابات تهز الجنوب ( قبائل الهمامة ومنطقة الأعراض)، تلتها قبائل عمدون في سنة 1840-1841 وقبائل خمير سنة 1844 التي أعلنت العصيان في الشمال الغربي وفي السنة نفسها كان الوضع في قبيلة الهمامة بالسباسب العليا مضطربا. وبين سنتي 1854 و1857 رفضت قبائل "الجبالية" في الشمال الغربي دفع الضرائب، في حين انضمت قبائل الجنوب (نفزاوة وبني زيد) بين سنتي 1856 و1858 إلى القائد الليبي غومة المحمودي في مواجهته مع باي تونس، وفي سنة 1860 ناصرت قبائل خمير بالشمال الغربي أحد الثائرين ادعى انه المهدي المنتظر...وفي سنة 1864 اشتعلت البلاد بكاملها...." (2). والملاحظ أن هذه الحركات الاحتجاجية شملت المناطق الداخلية دون سواها من جهة كما تصاعدت وتكثفت وتيرتها كلما اقترب تاريخ الانفجار الكبير لسنة 1864 مما يؤشر على احتداد الازمة الداخلية وتفاقم القطيعة بين الحاكم والرعية.

لقد توجت انتفاضة 1864 تحركات اجتماعية تعددت وتراكمت على مدى السنوات الثلاث السابقة، فقد شهدت سنة 1861 غارات قبائل غرب البلاد على التراب الجزائري الواقع تحت السيطرة الفرنسية كما تعددت الحوادث بين القبائل وتصاعدت وتيرة هذه الحوادث سنتي 1862 و1863 مما دفع فرنسا إلى التدخل في مناسبتين في التراب التونسي (أولاد بوغانم وتالة). كما شهدت البلاد تواتر الغــــــــارات بينالقبائل تصفية لضغائن قديمة وبحثا عن الكسب السهل في ظل اشتداد الأزمة الاقتصادية أو سعيا إلى السيطرة على المراعي ونقاط الماء الحيوية مثل غارة قبيلة الهمامة على قبيلة الفراشيش في أواخـــــــــر سنة 1861 المـثبتة في حجة لدى الدولة آنذاك وقد ورد في هذه الحجة " إن الواحد والأربعين نفرا المبينين (من قبيلة الفراشيش) ...كانوا نازلون في خيامهم وسعييهم في المحل المعروف بالفكة (3) وتشتمل نزلتهم على ست دواوير وكل دوار منها يشتمل على بيوت عديدة. فلم يشعروا إلا والجيوش (...) أحاطت بهم من كل جانب ومكان وهجموا عليهم هجمة واحدة وبادروهم بضرب الرصاص فمنهم من مات ومنهم من انجرح ثم أخذوا في نهب بيوتهم واستخرجوا جميع ما فيها من اختلاف أنواعه، حتى استفرغوها واستكملوا بالبيوت الساكنين فيها وأزالوها وسلبوهم وسلبوا نساءهم وتركوهم مكاشيف العورات بلا مستقر وحملوا جميع ذلك وساقوا جميع ما عندهم من الابل والبقر والخيل والغنم والمعز والأحمرة وذهبوا بجميع ذالك...."(4) وذيلت هذه الحجة بكشف مفصل في كل ما استولى عليه المغيرون من مواش وملابس وأثاث منزلي ومؤن غذائية وأسلحة.... وفي رسالة موجهة إلى مصطفى وزير العمالة بتاريخ 2 جويلية 1863، يشير كاهية القيروان ومتولي أولاد إيدير من قبيلة جلاص، أحمد زروق بن بوعلي إلى أعمال الإغارة التي يأتيها نفر من جلاص على ضواحي مدينة صفاقس "...بلغنا الأعز جوابكم المؤرخ في 23 قعدة (12 ماي 1863) المضمن به وأن الأعز المنتخب الأمير لوا السيد مراد عامل صفاقس عرض على الحضرة العلية أدام الله عزها بأن جماعة من جلاص متعصبون خيل وترس ينزلون إلى رءس غابة صفاقس وناحية عقارب وكل من يجدوه بالطريق يأخذون ما عنده. وكثر النهب منهم وفعل العيب. وأن هاته المدة أيام حصاد الزرع والناس متخوفة من ذلك. فصدر إذنها العلي لنا بالبحث والتمكن من الجنات بغاية الجهد. ومني الجواب سيدي أبقاكم الله. إننا بحثنا وفحصنا على هذا الأمر فلم نضفروا فيه على طايل.... فعند ذلك كاتبنا محبنا خليفة صفاقس وطلبنا منه بأن يعرفنا بأسماء هاؤلاء الأنفار الذين فاعلين العيب...فرجع لنا ضد الجواب يقول بعد هذا نعرفك بأسمايهم. فصرنا نترقب لأخباره فينا بذالك. فإلى الآن لم يأتين من قبله شيء...." (5). وعلاوة عما تكشفه هذه الرسالة من تفش للفوضى وأعمال السلب والنهب في البلاد بما يؤشر على تراجع سلطة الدولة، فإنها تكشف أيضا عن تواطئ غير صريح من قبل أعوان الدولة مع القائمين بهذه الأعمال والتستر عليهم والمماطلة في تطبيق الأوامر الواردة عليهم وذلك خوفا على أرواحهم وأعراضهم وأرزاقهم.

وأفضت هذه الحوادث إلى انخرام الأمن بشكل جلي بما يؤكّد ضعف نفوذ السلطة المركزية آنذاك (6)، ومن المهم الإشارة إلى أن التلاشي التدريجي لسلطة الدولة قد تفاقم خاصة بعد إعلان دستور 1861، وقد كان رفض الدستور من قبل الثائرين حاضرا في شعارهم المركزي " لا للدستور! لا للمجبى! لا للمماليك! "، حتى أن البعض ذهب إلى القول بأن الانتفاضة برمتها مجرد مؤامرة من قبل الوزير الأكبر مصطفى خزندار القصد منها تعطيل العمل بهذا الدستور الذي حد كثيرا من صلاحياته.

2- اندلاع الانتفاضة وأهم أطوارها

1-2.  الانتفاضة في غرب البلاد وفي جنوبها

 لم يطل انتظار رد فعل الأهالي على هذا القرار الجائر طويلا، وتواترت الأخبار منذ مارس 1864 عن رفض أداء "الإعانة" في مناطق مختلفة بدءا من منطقة الأعراض بالجنوب حيث رفضت قبيلة بني زيد الانصياع إلى هذا الأمر رغم وجود المحلة التي يقودها المملوك سليم بين ظهرانيها ، وانتقل هذا الرفض إلى قبائل الوسط الغربي : الهمامة والفراشيش وماجر وقبائل رياح  والجبالية في الشمال الغربي وتوسع العصيان تدريجيا ليشمل كامل أنحاء البلاد ومن ضمنها المدن التي أسقط عنها الإعفاء من دفع المجبى باستثناء تونس العاصمة، مركز الحكم التي ظلت بمنأى عن الأحداث. و " تآمر العربان في سائر الجهات على ذلك وتوعدوا من خالفهم أو حل ربطهم أو دفع شيئا من هذه الزيادة بالأخذ الوبيل وحرق البيوت" (7). وعرفت هذه الانتفاضة باسم ربيع العربان (8) كما اشتهرت باسم قائدها علي بن غذاهم المساهلي من قبيلة ماجر (9)، كما برز خلالها قادة آخرون أشهرهم السبوعي بن محمد بن السبوعي من قبيلة جلاص (10) وفرج بن منصور بن دحر (11) من قبائل رياح في الشمال الغربي. وفي مدة وجيزة هي إجمالا النصف الأول من شهر أفريل، عمت الانتفاضة كامل تونس الداخلية وفر العمال الذين وجههم الباي لاستخلاص المجبى إلى تونس تاركين مناطقهم تحت سيطرة الثائرين باستثناء فرحات عامل الكاف وأولاد ونيفة الذي قتل في مواجهة مع الثائرين يوم 16 أفريل 1864 بعد أن تخلت عنه قواته العسكرية، وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم لاعتمادها في تموين جيش المنتفضين. وانقطعت المواصلات بين العاصمة وكبريات المدن مثل الكاف والقيروان وسوسة... وانتشر السلاح في كل أرجاء المملكة وازدهرت تجارته. ولم يفلح المنشور الذي أصدره الباي في 21 أفريل 1864 والقاضي بإلغاء المجبى وإيقاف العمل بالتنظيم الجديد للعدلية وبتعطيل قانون عهد الأمان في تهدئة الأوضاع.

2-2.  التحاق المنطقة الساحلية بالانتفاضة

 ومع الوهن الملحوظ في جهاز الدولة وازدياد ضغط الثائرين على القرى والمدن الساحلية وقــــــــــــدومالأساطيل الأجنبية (12)، التحق سكان السواحل بالثورة ودب الانحلال إلى جيش الباي وحامياته. ففي سوسة مثلا لم يبق من الحامية التي تعد خمسة آلاف رجل سوى مائتين، أما أهل المنستير فقد اتخذوا موقفا وسطا فلم يدفعوا الضرائب المرتبة عليهم ولكنهم لم يشاركوا فعليا في الانتفاضة ونجت مدينتهم من النهب في حين كانت مدينة مساكن معقلا مهما للثائرين. وتعرضت المهدية إلى النهب من قبل سكان القرى المجاورة والقبائل المحيطة بها، وشهدت قابس أعمال نهب متأخرة نسبيا خاصة بعد أن تمكن أمير الأمراء سليم من مغادرتها عبر البحر. وما إن شارف شهر أفريل 1864 على الانتهاء حتى كانت البلاد بأسرها في حالة تمرد شامل على سلطة الدولة. وانحصرت سلطة الباي في العاصمة وضواحيها التي وصلت إليها طلائع الثائرين وأغارت على بساتينها ومن ضمنها بستان مصطفى خزندار.

خاتمة

ورغم محاولات التنظيم من قبل علي بن غذاهم الذي جمع قادة القبائل في القيروان في أواسط ماي 1864، فإن الانتفاضة تدرجت إلى الفتور مع حلول موسم الحصاد وموسم جز الصوف وموسم المبادلات التجارية التقليدية بين شمال البلاد الذي يوفر الحبوب ووسطها وجنوبها اللذان يوفران الزيوت والصوف والجلود ومنتجات فلاحية أخرى متنوعة. وكان لعودة الصراعات بين القبائل وخاصة بين الصف الحسيني والصف الباشي إلى الظهور من جديد، من جهة، وتعدد مظاهر التدخل الاجنبي في الشأن التونسي بمناسبة هذه الأحداث، من جهة ثانية وغياب الإجماع حول قيادة للانتفاضة من جهة أخرى الأثر الكبير في إضعاف صف الثائرين.

 

هوامش القسم الثاني

  (1) د. الهادي التيمومي، " مهنة الخماسة في تونس بين التشريع والواقع ( 1861-1875)"، ورد في " المغيبون في تاريخ تونس الاجتماعي"، بيت الحكمة، قرطاج، 1999.

(2) Chérif M.-H. Les mouvements paysans dans la Tunisie du XIXe siècle. In: Revue de l'Occident musulman et de la Méditerranée, N°30, 1980.

 (3) منطقة يشقها وادي الفكة، تقع شمال غرب مدينة سيدي بوزيد على مسافة 15 كلم وتتميز بامتداد المراعي الملائمة لتربية الأغنام والإبل.

(4) توفيق البشروش، ربيع العربان، بيت الحكمة 1990، ص.62-63

(5) المصدر السابق، ص69.

(6) للمزيد أنظر: جان قانياج، ثورة علي بن غذاهم 1864، ترجمة لجنة من كتابة الدولة للشؤون الثقافية، الدار التونسية للنشر، 1965، ص 16.

(7) الاتحاف، ج 5، ص 139.

 (8) أنظر توفيق البشروش، " ربيع العربان": أضواء عن أسباب ثورة علي بن غذاهم سنة 1864، سلسلة وثائق تاريخية، بيت الحكمة، 1991.

(9) ينتمي إلى فرع أولاد مساهل من قبيلة ماجر، " من عامة من ينسب نفسه إلى العلم وقصارى أمره معرفة حروف الكتابة... ولم يكن له قدم في إمرة ولا شهرة سوى أن أباه كان من أطباء العربان وولي خطة القضاء في ناجعته". أنظر الإتحاف، ج 5 ، ص 139.

(10) "من أكبر بيوت جلاص خلفا عن سلف ...وهو مسموع الكلمة في قومه"، المصدر السابق، ص 139.

 (11) الاتحاف، ج 5 ص 140.

(12) الاتحاف، ص 170.

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article